الفصل 48 - معاً نحو الداهية - رواية أربعة في واحد

48- معًا نحو الداهية

هاي ❤️

الفصل 48 - معاً نحو الداهية - رواية أربعة في واحد

"يا كابتن ميخا حرام عليك، أنا لاعب مية وخمسين أسكوات لحد دلوقتي، مش قادر!" تذمر قيس فتقدم ميخا ليقف أمامه وزمجر "مش بقالك أسبوعين ما بتجيش الجيم غير إنك كمان كنت بتقطع؟ انزل مية ضغط."


توسعت أعين قيس وهم بالاعتراض لكن ميخا صرخ "انزل مية ضغط بقولك!"


قطب قيس جبينه ونظر لميخا بغيظ، طبيعته تخبره بألا ينصاع وبأن يدمر هذا النادي الرياضي على رأس ميخا ومن فيه، لكنه يعرف جيدًا أن ميخا يفعل هذا لمصلحته


"لازم تعوض اللي أنت بوظته، الفورمة دي تعبنا فيها أنا وأنت، لازم تعاقب نفسك على تقصيرك، دي آخر مرة هقولك انزل مية ضغط،" أكمل ميخا بنبرة خالية من أي مشاعر وهو ينظر إلى عينيه بتحدي.


أخذ قيس نفسًا عميقًا وقد بدأ غضبه يحرقه داخليًا ثم أنحنى وثبت جسده على ذراعيه وبدأ بتأدية التمرين بعد أن قرر استخدام غضبه في التمرين بدلًا عن الشجار، وحينها صفق ميخا له وصاح "عاش، اسرع ..".


انتهى قيس من التمرين وسقط على ظهره كالسلحفاة المقلوبة وقد أصبحت عضلاته تؤلمه في كل منطقة من جسده، وقف ميخا أمامه وشبك ذراعيه أمام صدره ثم نظر له وتحدث


"شايف؟ قبل ما تقطع التمرين كنت بتقدر تعمل العدد ده من التمرين بسهولة، بس عشان قطعت بقت التمرينة صعبة عليك."


أومأ قيس وهو يلتقط أنفاسه بصعوبة فمد ميخا يده له وسحبه ليقوم ثم ناوله زجاجة من المياه وجلسا على أحد المقاعد


"إيه اللي خلاك تنقطع عن التمرين؟" تساءل ميخا وكأنه يعاتبه فأخفض الآخر رأسه وتمتم "كنت مفكرش مع خطيبتي وماكنتش عايز أعمل أي حاجة."


"وهو اللي بيفركش مع حد بيحبس نفسه ويوقف حياته؟ تفتكر الحد اللي سابك هيحزن عليك لما تكون فاشل؟ بالعكس، هيفرح فيك .. وتفتكر برضه إن البنت اللي سابتك هترجعلك لو بقيت فاشل؟ خالص .. الحل الوحيد عشان ترجعلك وتحس بالندم إنها تلاقيك بقيت أحسن وأنجح."


"عندك حق يا كابتن، بس هي رجعتلي وفرحنا خلاص كمان كام يوم."


ابتسم ميخا وأكمل "طب مبروك يا سيدي، كويس إنك قولتلي عشان هفحتك في التمرين أكتر بما إنك خلاص هتبقى عريس."


ضحك قيس ومسح العرق عن جبينه "يا كابتن سيبلي شوية صحة أنا داخل على جواز! أنا جسمي كله واجعني!"


"طب قوم كمل التمرين،" دفعه ميخا فظنه قيس يمزح لكنه صاح "بقولك قوم، يلا اعملي خمسين مرة تمرين الفراشة."


نهض رغمًا عنه وهو يضحك "ماشي.".


كانت ليلى جالسة في غرفتها تتفحص هاتفها مرارًا وتكرارًا علها تجد أية رسالة من قيس أو حتى مكالمة، لكن كان الحال كما هو عليه منذ اليومين؛ فقيس قد اختفى تمامًا لكنه يتابع مع والدها كامل إجراءات الزفاف، لم تعلم أنه عنيد لتلك الدرجة! يغضب منها وينقطع عنها وزفافهما يتبقى عليه بضعة أيام؟ فقط لأنها لم تستجب لطلبه بالصعود معه إلى الشقة؟


استسلمت للأمر الواقع وبادرت هي بالاتصال به، ثم سمعت صوته الذي ينهج وكأنه في سباقٍ للجري "أيوة؟"


رده المقتضب جعلها تعقد حاجبيها بغيظ "أيوة إيه؟ ما بتكلمنيش ليه؟"


في الجهة الأخرى نهض هو عن الآلة الرياضية التي كان يلعب عليها والتقط منشفته ومسح العرق عن وجهه وهو يتنفس بسرعة ويجيب "مش فاضي."


"والله؟ ولا متضايق عشان موضوع الشقة؟"


"لا، مش فاضي، كابتن ميخا كان مسافر ولسه راجع ولما رجع عرف إني بقالي فترة مابروحش الجيم ومكدرني من ساعتها."


"يعني أنت ما بتكلمنيش عشان الزفت الجيم!" صرخت فيه فقلب عينيه ونظر حوله ليتأكد من أن الجميع مشغولون ثم تحرك نحو جهة فارغة وأردف "بصي أنا مش عايز نكد، مش كل ما تشوفي وشي تنكدي عليا، قولتلك متنيل في الجيم، هو أنا صايع في الشارع!"


"يعني الجيم ولا أنا؟"


صمت ونفخ الهواء من فمه ثم رفع يده ليسحب شعره للخلف بغيظ ونطق من تحت أسنانه وهو ينظر للأسفل بضيق "أنتِ طبعًا."


هدأت ولم تعلق بشيءٍ آخر لكنها فوجئت به يكمل بنبرة ماكرة "أنا مش متضايق عشان اللي حصل، عمومًا خلاص كلها خمسة أيام بالظبط وهتيجي برجلك وبمزاجك."


توترت وسارعت بالتحدث "قيس روح كمل التمرين."


ضحك وهمس لها "لا، خلصت التمرين يا مزة، فاضيلك."


"ماما بتنادي لي،" حاولت التهرب مرة أخرى فعلت قهقهاته وسخر "طب عمومًا أنا هاخد دش وهغير هدومي وهعدي عليكم عشان ننزل نشتري البدلة، أنا ما جيبتش بدلة لسه."


"هنروح نجيب بدلة بجد ولا هنروح نجيب الشاحن؟"


ضحك وقلب عينيه ثم تذمر "بدلة يا ليلى، اجهزي على بال ما أجيلك وقولي لهشام وعمي إني جاي آخدك.".


كان هشام في منزله، وتحديدًا في الصالة يقرأ من كتاب عندما خرجت ليلى تنادي على أبيها فأخبرها الآخر بأنه ليس هنا ولن يعود إلا متأخرًا لأنه في جنازة أحد أصدقاءه فتوقفت ليلى في مكانها وحمحمت "طب، هو ينفع أنزل مع قيس يا هشام يشتري بدلة الفرح؟"


قطب جبينه وعدل من نظارته ثم أومأ "أيوة ينفع."


ابتسمت وأضافت "هو هيجي ياخدني، أنا لبست وهو زمانه جاي."


صمت الآخر وعاد إلى كتابه الذي يقرأه فيه فجلست ليلى بجواره تعلق عينيها على الباب حتى رن الجرس بعد عشرة دقائق فنهضت بسرعة وبابتسامة واسعة لتفتح الباب فوجدت قيس في وجهها يرتدي سروالًا قصيرًا من الجينس الثلجي وسترة زرقاء بنصف أكمام وقبعة رياضية بيضاء كان قد أدارها ليجعل مقدمتها في الخلف.


"إيه اللي أنت لابسه ده!" تذمرت ليلى فور رؤيته فقطب جبينه بدون فهم ونظر لنفسه "إيه! جايلك من الجيم، عايزاني ألبس إيه يعني؟"


"بس مش هنروح نشتري بدلة وأنت لابس شورت! وبعدين شكلنا مريب، أنا لابسة خمار وأنت لابس شورت!"


"عندك حق، أنا شكلي جاي من نيويورك وأنتِ طالعة من فيلم وإسلاماه!" سخر ثم ضحك وعبر للداخل دون ان يعير لكلامها اهتمامًا


رأى هشام فترجل ليصافحه وبعدها نظر بمكر لليلى وصاح "مش يلا يا حبيبتي عشان ننزل؟"


"ماشي يلا،" قالت فتحرك ليمسك بيدها فعلق هشام عينيه على يده الممسكة بيدها لوهلة ثم رفع عينيه لقيس بغيظ، فأعطاه قيس ابتسامة مستفزة وأمال على ليلى ليضع قبلة على وجنتها أمام هشام.


احتقنت الدماء في وجهه وأشاح بوجهه بعيدًا وهو يهدأ نفسه ويتمتم "لا حول ولا قوة إلا بالله."


رفع قيس يدها ليضع قبلة عليها فرمقه هشام بغيظ وتذمر "ما تيلا يا بابا! أنت مش كنت مستعجل! يلا اتكل على الله."


"ما نقعد معاك شوية!"


"لا شكرًا، روح يلا طريقك أخضر."


ضحك ووضع يده على كتفها ليسحبها بعيدًا في حين علق هشام عينيه عليهما بغيظ، لكن ما عساه يفعل؟ لا يستطيع فتح فمه بحرفٍ حتى! لقد أصبح زوجها ولو تكلم فالجميع وأولهم أمه وأبوه سيقولون أنه المخطئ هنا ولا أحدًا سواه.


أخفض يداه بالكتاب وأغلقه ووضعه جانبًا وهو يعض على شفته السفلى بندم، إن زفافهما قريب! وبعدها ستذهب ليلى لمنزله وسيختلي بها!


لكنه أستعاذ بالله من الشيطان وبدأ يردد على عقله بأن هذه سنة الله ورسوله وبأن تفكيره الآن خاطئ لأن لو الجميع فكر مثله لم يكن أحدًا قد زوج ابنته أو شقيقته لأي رجل ولكان الكون قد انتهى، ثم تذكر رحمة وبأن أبيها سيعطيها له وبأن هذه هي الطبيعة التي خلقنا الله عليها.


لكن قيس المستفز يتعمد مضايقته، ربما لو أظهر له بأنه غير متضايق سيتوقف قيس عن هذا؟ لكن كيف سيفعل هذا وهو بالفعل يشتعل غيرة على شقيقته؟


تبًا لقيس.


في مكانٍ آخر كان أحمد قد وصل برفقة داليا إلى السينما، فتح لها الباب وترجلا للداخل ثم وقف يشتري لهما المقرمشات والصودا وجاء يحملهما بابتسامة واسعة ليعطيها لها فأخذتهم من يده بابتسامة ممتنة ووقفا ينظران للأفلام المعروضة، كانت داليا تقرأ عناوين الأفلام في حين يراقبها هو بطرف عينيه، تبدو لطيفة وهي تركز هكذا!


حركت عينيها له لتخبره أي فيلمٍ تريد لكنها أصطدمت به ينظر إليها بالفعل وهذا جعلها تشتعل خجلًا وحمحمت "ممكن ندخل فيلم الEnd game؟"


وبرغم عدم معرفته بهذا الفيلم لكنه وافقها "ندخل فيلم ال End game ماشي، تعالي نحجز التذاكر عشان تشوفي عايزة تقعدي فين."


ثم شبك يده في يدها وتحركا نحو موظف حجز التذاكر وحجز لهما تذكرتان في المكان الذي تريده ثم تحركا نحو إحدى الطاولات في انتظار الفيلم الذي سيبدأ بعد ساعة، وحينها تذمرت داليا "شوف، أنت اللي جيبتنا بدري!"


"عادي، أدينا قاعدين، ما أنا مشتريلك بيبسي وفشار وشوكولاتة ومدلعك أهو! كلي فيهم لحد ما الفيلم يبدأ."


ضحكت وهي تضع قشة البيبسي في فمها ثم تذمرت "ذلني بقى بالفشار!"


"أنا أقدر برضه! بعدين ده واجب الصديق تجاه صديقته يعني،" ضحك وغمز لها فخجلت وأبعدت عينيها بعيدًا عنه،


وحينها اصطدمت بفتاة تنظر لهما من بعيد، ظنتها داليا واحدة من حبيبات أحمد السابقات فضيقت عينيها ونظرت نحو أحمد لتجده يركز معها ولا ينتبه لتلك التي تنظر له.


نهضت الفتاة وتقدمت منهما فقابلها أحمد بحرارة ونهض يصافحها "مها، عاملة إيه؟"


"بخير الحمد لله، أنت عامل إيه؟"


كانت داليا تراقبهما بغيرة تشعل رأسها فسارع أحمد بتقديمها لها "مها، دي داليا، داليا دي مها بنت خالتي والسنة دي رابعة صيدلة."


تخلت عن غيرتها قليلًا .. فقط قليلًا وصافحتها بابتسامة هادئة "أهلًا يا مها."


رحبت بها مها ثم حكت يديها بإحراج وضحكت "ينفع استنى معاكم أصحابي؟ هما زمانهم جايين."


رحبا بها وبدأ ثلاثتهما بالحديث عن أشياءٍ عشوائية حتى ضيقت مها عينيها وشبكت يديها أمام صدرها ثم رمقتهما بنظرة خبيثة وأردفت "سو، اتعرفتوا على بعض وارتبطتوا إزاي؟ بحب أسمع القصص دي."


نظرا لبعضهما بتوتر ثم سارعا بالتحدث "لا، إحنا مش مرتبطين." ... "آه إحنا أصحاب بس."


قطبت جبينها ورمقتهما بدون تصديق لكنها أومأت "سوري، أصل شكلكم كدا يبان مرتبطين، مش عارفة، بس سوري."


ضحك أحمد وأضاف "لا ما تعتذريش هو إحنا فعلًا شكلنا يبان مرتبطين، بس في الحقيقة إحنا أصحاب بس، حتى اسألي داليا أهي." ثم نظر لداليا وأكمل "بزمتك يا داليا إحنا مرتبطين؟"


نفت داليا فأكمل الآخر بنبرة مازحة "هو عشان واخدها السينما يعني وجايبلها فشار وبيبسي وشوكولاتة وشكلنا كأننا في ديت وبعاملها كبنت أخويا الصغيرة خلاص هبقى مرتبط بيها! اتقوا الله وبطلوا إشاعات."


ضحكت مها وأضافت "بس شكلكم لايق على بعض والله."


خجلت داليا ومازحتها "شكلنا لايق على بعض فين؟ مش شبه بعض أصلًا."


"مش شكليًا، بس حاسة حرفيًا إن ابتسامتك زي ابتسامته، ممكن من كتر قعدتكم مع بعض بهتتوا على بعض بقى!" جادلتها مها فنظرا لبعضهما باستغراب، هل يمتلكان نفس الابتسامة؟ هما لم ينتبها حقًا ولا يعلمان إن كان ما تقوله مها صحيح أم لا.


بعد نصف ساعة جاء أصدقاء مها وتركتهما ورحلت، كان يتبقى على الفيلم ربع ساعة فقط عندما نظرت له داليا واستفهمت "هو احنا ضحكتنا شبه بعض؟"


رفع كتفيه وتمتم "مش عارف! ممكن، الله أعلم."


ضيقت عينيها ونظرت لمها على الطاولة الأخرى ثم رجعت بعينيها لأحمد "وأنت علاقتك إيه بمها دي؟"


"بنت خالتي!"


"بس؟"


ضحك واقترب بجذعه منها "بصي أنا ما كنتش برتبط ببنات من العيلة، ليه؟ عشان كلنا متربيين سوا وبحس إنهم أخواتي، كنت بمارس هوايتي في الشقط برا العيلتين، فأي بنت من عيلتي هتشوفيها خليكِ عارفة إن ما كانش فيه بيني وبينها أي حاجة."


ابتسمت وأكملت أكل المقرمشات بصمت فضيق عينيه وأكمل بنبرة خبيثة "بس طلعنا بنغير أهو وفيه مشاعر، ده أنا كنت بدأت أشك إن فيه جليد جوا مش قلب."


ابتلعت لعابها وأنكرت "أغير! لا طبعًا، أنا بس كنت بستفسر يعني، مش يمكن كانت تبقى إكسة من إكساتك!"


ضحك وكرر "إكسة؟ دي الي هي مؤنث إكس؟ لا مش إكسة، بس أنا إكساهاتي كتير عندك حق تغيري برضه بصراحة."


توسعت عينيها وتذمرت "قولتلك ما غيرتش!"


"وما تغيريش ليه يا ماما! هو أنا برطمان مخلل قاعد معاكِ! فيه إيه!!!!"


"مش قصدي يعني، أنت حلو على فكرة، أنا ما كانش قصدي أقول إنك ما يتغارش عليك."


بدأ يستمتع بذلك الحوار خاصةً أن داليا لأول مرة تقول أنه وسيم، ضيق عينيه وشبك ذراعيه أمام صدره ومثل أنه لا يصدقها "والله؟ وإيه الحلو فيا بقى؟! ولا هو كدب وخلاص؟"


سارعت الأخرى بالنفي والدفاع عن نفسها وإثبات صدق حديثها "لا والله مش بكدب، أنت وسيم فعلًا." ثم أكملت بتردد


"يعني ... شعرك ناعم وأسود وشكله حلو، عينيك رموشها طويلة، دقنك حلوة، وصوتك حلو خصوصًا وأنت لسه صاحي من النوم، وإيدك شعرها ناعم، شكلها كيوت."


ابتسم رغمًا عنه ونظر لذراعه ثم ضحك "شوفي أنا صاحبت بنات بالكوم، بس قسمًا بالله أول مرة واحدة تمدح شعر أيدي!"


خجلت وأخفضت رأسها فهمس لها "بس إيه التطور ده كله! ده إحنا طلعنا بنغير وبنعرف نقول كلام حلو أهو، ده أنا لولا برستيجي كنت قمت رقصت."


وكأنه قد أثار فضولها فتساءلت "أنت بتعرف ترقص؟"


"ليه؟ عايزاني أرقصلك؟ أنا شعر إيدي ناعم آه بس أنا رجل أوي، عايزاني أرقصلك تتجوزيني يا ماما، مابرقصش لحد غريب أنا."


ضحك ولكمته ثم تذمرت "قول بجد، بتعرف ولا لا؟"


"لا، كاريزمتي وجمداني مايسمحوليش أرقص، أنا عايز أقعد أشرب شيشة وواحدة ترقصلي."


قلبت عينيها وسخرت "آه، ده في المشمش."


"هو أنا قولتلك ارقصي أنتِ؟ أنا قولت واحدة، الله أعلم بقى مين! وبعدين ماله الرقص يا حاجة؟ بزمتك مافيش فيفي عبده جواكِ نفسك تطلعيها؟"


نفت برأسها فضحك "ولا حتى هياتم؟"


ضحكت رغمًا عنها وسخرت "بقى ده منظر هياتم!"


علق عينيه علة عينيها بابتسامة بسيطة ونفى برأسه "ده منظر قمر."


خجلت وسارعت بوضع المقرمشات في فمها ولم تعلق بشيء حتى جاء موعد الفيلم فنهضا وترجلا سويًا للداخل ثم جلسا في ذلك الموقع الذي اختارته داليا في زاوية بعيدة في الخلف وأخرجت النظارة الطبية لتضعها على عينيها كي ترى جيدًا


وجدته يهمس لها "شكلك حلو بالنضارة."


ابتسمت وحركت رأسها له ثم ضحكت "ركز على الفيلم يا أحمد."


عاد برأسه للفيلم ثم قطب جبينه بعد مدة وأمال عليها ليهمس "هي الحرب دي عشان إيه؟"


أجابت له هامسة "عشان ثانوس عايز يقتل نص المخلوقات في الكون."


"طب هيقتلهم ليه؟"


"عشان الموارد بتاعة الكون تكفي، أحمد أنت ما اتفرجتش على أفلام مارفل قبل كدا؟"


نفى برأسه وحمحم "لا، ماكنتش أعرف أني لازم اتفرج عليهم عشان أفهم الفيلم!"


نظرت له بحزن وكم بدى لطيفًا بتلك النظرة الطفولية التي تعتلي وجهه! فابتسمت وأمالت عليه وبدأت تشرح له كله شيء بشكلٍ موجز حتى فهم أخيرًا وأومأ "يعني هما دلوقتي عايزين يرجعوا الأينفينتي ستونز عشان يبقى عندهم قوة يرجعوا الناس اللي ماتت؟"


أومات بسرعة "أيوة بالظبط."


"طب عندي سؤال صغير،" همس فانتبهت له لكنها وجدته يكمل "فين بقى سوبار مان؟ مش بيحارب معاهم ليه؟"


جفلت لوهلة ونظرت له بضحكة مكتومة وهمست "حبيبي، سوبار مان ده مش تبع مارفل، ده تبع دي سي!"


ابتسم ببلاهة وكرر "حبيبك؟"


وضعت بعض المقرمشات في فمها وعلقت عينيها على الفيلم وهي تحاول عدم النظر له وكأنها لم تفعل شيء ولم تلقبه بحبيبي للتو


"أنتِ قولتِ إني حبيبك؟" كرر فأنكمشت على نفسها ولم تجيب لكنها لم تنفي أيضًا، وهذا جعل الآخر يبتسم بتوسع وهو يعود بعينيه إلى شاشة السينما ثم سمعته يتمتم "والله حبيت مارفل، أنا هروح أتفرج على الأفلام كلها."


ابتسمت وأخفضت رأسها فسقط شعرها على جانبي وجهها ليوفر لها مساحة بعيدًا مخبئة بعيدًا عن أعين أحمد التي تنظر لها من حينٍ لآخر، ماذا يفعل بها هذا الرجل حقًا؟ إنها تقع له أكثر كل يوم، ويبدو أنها كانت مخطئة عندما طلبت صداقته، لأن ما بينهما الآن يستحيل أن يكون صداقة، إنه شيئًا آخر بعيدًة كل البعد عن الصداقة فقط، ولتكون صريحة هي تحب ما بينهما الآن، تلك العلاقة العائمة تحت مسمى الصداقة، يتغزل بها ويفصحان عن حبهما لكنهما أصدقاء، بدأت تشعر أن أحمد يجاريها في لعبتها فقط لأنه متأكد بأنها ستستسلم له يومًا، لكن هل ستفعل حقًا؟


نظرت له فوجدته قد علق عينيه بتركيز على الشاشة ليتابع باهتمام رغم عدم فهمه لما يرى لكنه يتابع لأن هذا هو ما أختارته هي.


وبالإجابة عن ما إذا كانت ستفعل أم لا، هي تظن أنها ستفعل، لأن الإستسلام لذلك اللطيف سيكون رائعًا.


فوجئ بها تميل عليه لتهمس "أنا قررت قرار."


أعطاها انتباهه فأكملت "أنا هروح لدكتورة نفسية عشان أتعالج."


توسعت عينيه ورمقها بدون تصديق ثم استدار بكامل جسده ليواجهها بتلك الملامح السعيدة والنبرة الطفولية "بجد؟ احلفي."


"والله، لو مش مصدق تعالى معايا."


"هاجي عشان أكون معاكِ مش عشان مش مصدقك."


"يعني مبسوط؟"


"مبسوط! ده أنا هطير من الفرحة، طب بعدها هنتجوز؟"


رفعت كتفيها وضحكت "ممكن، لو عايز!"


"عايز؟ ده أنا هاين عليا أتجوزك دلوقتي."


"بس فيه حاجة،" همست فأومأ لها في استعداد للموافقة على أي شيء يقوله، لتكمل "لو هنرتبط وكدا، لازم تيجي تقابل خالي."


"هتفرق في إيه؟ ما أمك عارفة، وبعدين لو كدا هجيب أهلي!"


"لا، مش لازم أهلك دلوقتي، لسه لما اتعالج، وبعدين هتفرق كتير يا حلو، هتعرف لما تشوف خالي."


"حاضر يا داليا، هكلم خالك، خديلي معاد معاه."


لاحظ ابتسامة خبيثة تلوح على وجهها وكأنها تحاول كتم ضحكتها بصعوبة، ولم يفهم حقًا لماذا تضحك؟ وما سر تلك النظرة الماكرة؟ لكنه أرجع ذلك لكونها قد نفذت مطلبها بجعله يقابل خالها، لكن بعد وهلة ضحكت وضعت يدها على فمها فقطب جبينه ونظر لها باستغراب .. يشعر بأن الأمر يتعدى كونها نفذت مطلبها! لكنه فقط لا يفهم، ولم يهتم بهذا كثيرًا، لقد صب جم اهتمامه على كونها ستذهب للطبيب حقًا وبأنها قد وافقت على تحويل تلك العلاقة البائسة إلى علاقة حقيقية .. لقد أخذ منه الأمر جهدًا كبيرًا لكنه يستحق، ويعرف بأن اللحظة التي ستنام فيها على حضنه بإطمئنان ستجعله ينسى كل الشقاء الذي مر عليه في حبه لها.


خرجا معًا من السينما ثم مد يده ليمسك بيدها وتمشيا قليلًا بصمت حتى رن هاتفه وحينها تخلى عن يدها وأخرجه من جيب بنطاله فوجده مراد، نظر لداليا واستأذن منها بأن يجيب فأومأت.


استقبل المكالمة بابتسامة واسعة ومزح "أيوة العريس اللي أتجوز وناسينا، يا أسطا مش معنى إنك في شهر العسل إنك تدلقنا خالص كدا!"


استمع لمراد ثم أضاف "بتكلم أمك وأبوك! طب وأنا؟ أنا ابن الغسالة يعني!"


"ده أنا حتى كنت عايز أستفسر منك عن حبة حاجات في الجواز كدا بما إنك أكيد بقيت خبرة دلوقتي،" نطق بنبرة مستفزة وضحك عاليًا عندما شتمه مراد من الجهة الأخرى "ما أنت حيوان! هقولك إيه يعني!"


بينما خجلت داليا وحاولت عدم الضحك وأشاحت بوجهها بعيدًا وهي تضع يدها على فمها، نظر لها أحمد بطرف عينيه وابتسم ثم عاد لينظر أمامه ويكمل كلامه مع مراد "وبعدين اتجدعن كدا وهاتلنا بيبي صغنن."


"إيه؟ غادة شكلها حامل أصلًا؟" تصنم في مكانه وضحك "عاش يا وحش، أيوة كدا رفعت راسنا."


شتمه مراد للمرة الثانية وأغلق الهاتف في وجهه بينما أكمل هو ضحكاته واستدار لداليا فوجد وجهها محتقنًا بالدماء وكأنها تحبس ضحكاتها بكل ما تستطيع من قوة، لكنها ضحكت فور نظرها لوجهه فقهقه عاليًا هو الآخر وتذمر "قفل المكالمة في وشي .. شايفة الأخوات بيعملوا إيه!"


"ما أنت أحرجته،" قالت فضحك "عادي، أنا بحب أهزر معاه كدا وهو بيتنرفز بسرعة فبيضحكني."


أومات وتحركت بجانبه لكنه توقف أمامها فجأة وقال بحماس "هحجزلك بكرة عند دكتورة وهعدي عليكِ آخدك، ماشي؟"


ابتسمت وأومأت ثم علقت يديها في ذراعه بطفولية فابتسم وأكمل طريقه.


في مكانٍ آخر وتحديدًا في بيت طارق، كان الجميع يسمع صوت صراخه العالي من داخل شقته، وبعض جيرانه متجمعين أمام باب منزله يستمعون له يصيح "أنا زهقت منك ومن عيشتك ومابقيتش طايقك."


ثم سمعوا صوت زوجته تصيح هي الأخرى "أنا اللي ما بقيتش قادرة استحملك، أنت خلاص من ساعة اللي حصل وأنت أعصابك تعبت وقولتلك تروح لدكتور نفسي رفضت."


"دكتور نفسي؟ شايفاني مجنون!" صرخ بكامل قوته وسمع الجميع صوت شيئًا ينكسر ثم صوتها تصرخ "آه بقيت مجنون، مش كفاية مستحملاك ومستحملة إني عمري ما هبقى أم، كمان كل شوية خناق على اتفه الأسباب وحتى دكتور الذكورة مش عايز تروحله."


"أنا ما عنديش حاجة عشان أروح لدكتور ذكورة!" زمجر من تحت أسنانه وهو يرفع سبابته في وجهها اثناء ضغطه على فكيه بكامل قوته وكأنه سيكسره


اشتعل جنونًا عندما نظرت له من أعلى لأسفل وسخرت "صح، أنت ما بقاش عندك حاجة فعلًا."


ولم تدري إلا وصفعة تلتحم بوجهها تلتها صفعة أخرى وإمساكه لها من شعرها ليكمل ضربها فصرخت عاليًا وبدأت تستنجد بالجيران "يا ناس الحقوني، اطلبوا البوليس هيموتني."


لكنه لم يهتم وأكمل ضربها حتى كسر الجيران الباب وتدخلوا ليخلصوها من تحت يديه وقد بدأت الدماء تسيل من وجهها، لكنها نهضت وصاحت "ورحمة أمي لأعملك محضر، والله يا طارق لا أبيتك في الحجز، أنا تضربني؟ مش كفاية بقيت زيك زيي، ده أنا بقيت متجوزة أختي .. اشهدوا يا ناس، الرجل ده مخصي، اتعمله عملية إخصاء وأنا استحملته وقولت جوزي، بس واضح إنه اتجنن خلاص."


نظر الجميع لطارق الذي أخفض رأسه ولم يستطع فعل شيء فأكملت صياحها "كان عندها حق طليقتك لما سابتك، يا ريتها يا أخي ما كانت سابتك."


"سابتني بعد ما لفيتِ عليا زي التعبان وخليتيني خونتها معاكِ، منك لله، حسبي الله ونعم الوكيل فيكِ، كرهتيني فيها وطلعتيلي فيها عيوب الدنيا لحد ما بقيت مش شايف غيرك وساعتها هي طلبت الطلاق، وأنا زي الحمار روحت أتجوزتك، يا حقيرة يا قذرة."


"أنا اللي حقيرة؟ بعد ده كله أنا اللي حقيرة! واضح إنك نسيت كلامك عليها وإنها باردة ومهملاك وما بتقولكش كلمة عدلة، بس تصدق كان عندها حق، أنت اللي زيك ما يستاهلش كلمة عدلة."


"وأنتِ اللي زيك ما يستاهلش إنه يكون زوجة، اللي تلف على واحد مرتبط تبقى لا مؤاخذة شمال."


"أنا شمال وأنت يمين؟ ده أنت أبو الشمال كله، ورحمة أمي في تربتها لأرفع عليك قضية وأحبسك يا طارق."


ضحك وسخر "روحي ارفعي قضية يا شاطرة." ثم اقترب منها وهمس لها "بس ورحمة أبويا أنا كمان لأنزل فيديوهاتك معايا على النت بكرة الصبح، هفضحك، هخليكِ مش قادرة ترفعي راسك ولا تخرجي من بيتكم."


توسعت عينيها ونظرت له بذهول وكأن الصدمة تملكتها "فيديوهات! ده أنا مراتك يا حقير!!! مصورني!"


"مش هتبقي مراتي، بكرة ورقة طلاقك هتوصلك، وخليكِ حلوة كدا عشان ورب الكعبة هتشوفي مني وش أسوأ من اللي شوفتيه."


لم تصدق ما تسمعه منه ولم تتمالك نفسها فبصقت في وجهه فصفعها مرة أخرى وأمسك بشعرها فصرخت وتجمع الناس حولهما ليحاولوا التخليص بينهما بينما همس لها هو "اوعي تكوني مفكراني محترم، أنا خلاص ما بقاش عندي حاجة ابكي عليها."


ثم دفعها بعيدًا ونطق بنبرة مشمئزة "أنتِ شمال عشان لفيتِ عليا، وأنا خاين وماليش آمان، خافي مني بقى ويلا لمي هدومك وامشي، مش عايز أشوف وشك في أي حتة تاني.".


كانت ليلى تجلس على كرسيٍ أمام غرفة تبديل الملابس في ذلك المتجر الرجالي الفخم الذي دخلا إليه، حينما خرج قيس يرتدي بذلة سوداء كانا قد انتقاها سويًا مع ثلاثة بذل أخرى


"بصي، حاسسها ضيقة شوية من ورا،" قال متذمرًا وهو يدير ظهره لها فنهضت للتفحصها ثم أومأت "أيوة، طب خلاص جرب التانية."


"أنهي دي؟" تساءل فأجابت "السودا." لتجده يضحك "يا بنتي ما التلاتة لونهم أسود! .. ادخلي طب قوليلي أنهي فيهم."


وبحسن نية دخلت إلى غرفة القياس لتجد الآخر يدخل خلفها وقد أغلق الباب لكنها لم تنتبه ثم أشارت إلى إحدى البذلات المعلقة على الحائط "بص دي اللي قصدي عليها، عاجباني من ساعة ما شوفتها."


ابتسم وأومأ فاستدارت لتخرج لكنه كان واقفًا أمام الباب ومغلقًا إياه بجسده "عديني!" قالت بطريقة ضاحكة فنفى برأسه "تعرفي إن دي أول مرة نبقى لوحدنا خالص، هي أينعم أوضة بروفة بس مش مهم."


رفعت سبابتها في وجهه بتحذير رغم ابتسامتها "لم نفسك وعديني."


نفى برأسه وضحك "أنتِ اللي دخلتِ برجلك، مش مشكلتي بقى! يلا هاتي بوسة بسرعة قبل ما المحل ياخد باله مش ناقصين فضايح."


توسعت عينيها وزمجرت "أنت أتجننت! في المح.." وضع يده على فمها وهمس "أنتِ اللي هتفضحينا أهو!"


حاولت التملص منه لكنها لم تستطع فسكنت وحينها ازال يده عن فمها واقترب بشفتيه منها لكنهما شعرا بالفزع عندما سمعا طرقًا على الباب وصوت البائع يتكلم "أنا لقيت لحضرتك مقاس أكبر شوية من البدلة اللي عجبتك."


لعن قيس تحت أنفاسه وصاح بغضب وهو يلقي بنظرة حارقة لليلى "ماشي، هي المدام بس بتقفلي أزرار القميص عشان مش عارف اقفلها."


"خد وقتك يا باشا،" قال البائع وحينها همس قيس لليلى "خدي بالك قسمًا بالله كل اللي بتعمليه ده هيطلع عليكِ بعد كدا."


رفعت إحدى حاجبيها ورمقته بتحدى وبابتسامة لئيمة "ماشي."


ضحك وابتعد عن الباب ليفسح لها الطريق "ماشي يا عسل."


مرت بجانبه بحذر وخوف من أن يفعل شيء فرفع يديه باستسلام وضحك "عدي خلصيني." ففتحت الباب وسارعت بالخروج ثم أغلقت الباب خلفها وعادت لتجلس أمام غرفة التبديل مجددًا، ارتسمت ابتسامة واسعة حاولت محوها عن وجهها غير أنها لم تستطع، قلبها يضرب بعشوائية ومشاعرها متخبطة تمامًا.


خرج لها قيس بعد قليل يرتدي البذلة التي أعجبتها، وكم بدى وسيمًا ومهيبًا بها، تبدو وكأنها فُصلت خصيصًا له، نهضت بسرعة لتعدل ياقة قميصه وأردفت بنبرة منخفضة "حلو أوي عليك يا كوكو."


ابتسم وأومأ "أنا كمان مرتاح فيها، خلاص أخدها؟"


"أيوة، وبعدين تعزمني على آيس كريم."


تحولت ابتسامته لأخرى خبيثة وأردف "فيه آيس كريم في الشقة على فكرة، أنا كنت جايب هناك." فضربته في كتفه وهي تضحك "بطل!"


ضحك وسخر "أحسن، والله أنا ما قادر أساسًا، أنتِ فاكرة بعد اللي كابتن ميخا عمله فيا ده هقدر أعمل حاجة؟ ده أنا بتكلم حلاوة روح مش أكتر، ده أنتِ تطلعي معايا الشقة وأنتِ متطمنة، لأني مش هكمل دقيقة وهحضن السرير."


تصبغت وجنتيها بحمرة طفيفة وأشاحت بوجهها بعيدًا فرمقها من أعلى وهو يحاول عدم الضحك ثم صاح على البائع "لو سمحت، تعالى إحنا هناخد البدلة دي.".


كانت الثالثة فجرًا في العزبة حين كان أدهم نائمًا وأميرة نائمة لكن زوجة دكتور مصطفى لم تغمض عينيها لوهلة، إن القلق قد بدأ يتسلل إلى قلبها وعقلها بطريقة تجعلها تتقلب يمينًا ويسارًا في سريرها بدون راحة، ماذا بشأن ابنتها سارة؟ حتى لو كانت تريد أن تعاقب زوجها، فما دخل ابنتها في الموضوع؟


إنها يجب أن تحدثها وتجعلها تعرف بكل شيء.


نهضت عن سريرها وجلست تنظر بضيق إلى الأرض ثم وضعت الخف في قدميها واستقامت لتتحرك بهدوء نحو الباب، خرجت وأغلقت الباب خلفها بحذر ثم توجهت نحو غرفة أدهم التي كانت أقرب غرفة لها، ومن معاشرتها لأدهم طوال هذه المدة هي تعرف أنه عندما ينام فلا يدري بأي شيءٍ يحدث حوله، نومه ثقيل جدًا ولن يستيقظ إلا (بالطبل البلدي) كما يقولون.


فتحت باب غرفته بتريث ووجدته يحتضن وسادته وينام على جنبه الأيمن بينما هي ترى ظهره، هاتفه موضوعًا بجانبه في الشاحن، تحركت بهدوء لتمسك به وسرعان ما جعلته في الوضع الصامت كي لا يصدر أي صوت، اصطدمت برقمًا سريًا لكنها رأت قفل البصمة في ظهر الهاتف فنظرت لأدهم بخوف ثم تحركت يمينًا على مهل لتقف أمام وجهه، وبهدوء كانت قد وضعت الهاتف على إصبعه فانفتح فورًا، والآخر ما زال نائمًا كالجثة الهامدة.


ابتسمت وتحركت بنفس الهدوء للخارج دون أن تغلق الباب خلفها، وفور خروجها هرولت بسرعة لتقف في مكانٍ بعيد وسارعت بطلب رقم سارة.


استيقظ أدهم في اليوم التالي في الواحدة ظهرًا وجلس على سريره ثم حك عينيه بنعاس، التقط هاتفه عن الشاحن وفتحه ليعبث به قليلًا ثم تركه ونهض نحو المرحاض، لكنه فزع وانتفض عندما وجد سارة في وجهه


قطبت الأخرى جبينها وشبكت يديها أمام صدرها "أنت إيه اللي أنت عملته ده؟ بتكدب عليا وبتخطف ماما وبتدخل بابا السجن!"


هربت آثار النعاس من عقله وهم بالدفاع عن نفسه برعب "أنا ما كانش قصدي أعمل كدا، سارة والله ما كانش قصدي، كل حاجة جات كدا لوحدها!"


"لا كان قصدك، ما تقوليش ما كانش قصدك، يعني فوق ما إنك دخلت بابا السجن، كمان قاعد بتسرح بيا وشايفني قاعدة بعيط على ماما وأنت عامل فيها الملاك الحنين اللي بيدعمني ويهديني ويطمني!" صرخت في وجهه فابتلع لعابه وشعر بأن كل شيء سينهد فوق رأسه بمفرده الآن والأسوأ أنه لم يكن يعرف ماذا يفعل؟


"اوعى تفتكرني مصدقة اللي أنت قولته لماما إن بابا عايز يسقطك أنت وأصحابك، أنا عارفة إن كل ده عشان بابا رفضك وأنت بتحبني وعايز تتجوزني فقررت تنتقم منه!" أكملت فقطب جبينه ونظر لها بتردد، هل تظن أنه فعل كل هذا لأجلها؟ ... رائع!


رسم ملامح حزينة على وجهه وقرر إكمال تلك التمثيلية "يعني أعمل إيه! بحبك وعايز أتجوزك وهو رفضني من غير سبب! سارة أنتِ ما تعرفيش أنا اتعلقت بيكِ قد إيه، أنا اليوم اللي رفضني فيه كنت هنتحر!"


لانت ملامحها قليلًا فأكمل وهو يقترب منها "كانت لحظة شيطان وقولت إن كدا هيكون أسهل إني أتجوزك ونبقى حطيناه قدام الأمر الواقع، بس الموضوع خرج من إيدي، سارة بالله عليكِ سامحيني، أنتِ عارفة إني بحبك وعايز أتجوزك، ده أنتِ أول حب في حياتي."


لكنه تصنم عندما سمع صوتًا يعرفه جيدًا يأتي من خلفه "آه يا خاين يا واطي! مين دي؟"


ارتسمت ملامح باكية على وجهه وسقط قلبه في قدميه وأبى جسده الاستدارة لكن جميلة هي من تحركت لتقف أمامه بجانبه سارة "مين دي بقولك؟"


"جميلة أنتِ إيه اللي جابك هنا!" سأل بتردد فصاحت "جيت عشان أعمل الفوتوسيشن بتاعي هنا وكنت عاملاهالك مفاجأة."


"وحبكت تيجي النهاردة!" صرخ في وجهها لكنها تقدمت وأمسكت بسترته "جيت عشان أكشفك، بقى هي أول حب في حياتك وعايز تتجوزها يا خاين يا كداب!"


بدأت الدموع تتكون في أعين سارة ونظرت لهما بصدمة "أدهم مين دي وبتقولك كدا ليه؟"


كان سيجيب لكنه سمع صوت صينية تقع وأشياءً تنكسر خلفه، عض على شفتيه بيأس ورفع رأسه للسماء وهو يهمس "يا رب ما تكون.." قبل أن يكمل وجد أميرة تبكي خلفه "هو اللي سمعته ده صح يا سي أدهم؟"


أخفض رأسه وهو يهزها بيأس أثناء وضعه ليده على جبهته "لا هي.."


توسعت أعين جميلة وشددت يدها على سترته "ومين دي كمان يا سي زفت الطين؟ بتخوني مع أتنين!"


ترجلت أميرة لتقف بجانب سارة خلف جميلة التي تقبض على سترته البيضاء بأعين يتطاير منها الشرر


"ثواني، أدهم أنت قولتلهم إنك بتحبهم؟" همست سارة فقلب عينيه وأشاح بوجهه بعيدًا فأجابتها أميرة بغيظ "أيوة، البيه مواعدني يجي يتقدملي بعد نتيجته ما تطلع."


بدأت شفتي أميرة ترتعشان وهي تومئ "وضحك عليا وقالي إنه بيحبني وهيكلم جده بعد نتيجته ما تطلع."


تسربت الدموع من أعين سارة وهمست بنبرة متحشرجة "يعني ضاحك علينا إحنا التلاتة؟"


سارع بالتحدث "لا والله، والله ما كنت بضحك على أي واحدة فيكم."


تركت جميلة سترتة ورمقته بغضبٍ قاتل "والله؟"


"والله، أنا حقيقي مش بألعب بأي واحدة فيكم، كل الحكاية إني معجب بيكم أنتوا التلاتة، وبصراحة أنا رجل مقتدر ماديًا يعني، وأنتوا التلاتة عارفين الكلام ده، يعني ممكن نحل الموضوع ودي وأتجوزكم أنتوا التلاتة عادي،" قال فرمقه الثلاثة بذهول ونظروا لبعضهم بعضًا بصدمة


"تصدق إنك عيل واطي،" كانت جميلة أول من صاحت في وجهه في حين بدأت سارة بالبكاء عاليًا وكانت أميرة تقف عاجزة عن الكلام تحاول السيطرة على نفسها


"أنا عارف إن الموضوع صدمة، بس صدقوني والله أنا بحبكم أنتوا التلاتة! أعمل إيه يعني؟"


"وفين الرابعة؟" سخرت جميلة فحك عنقه ورفع كتفيه "لا، مافيش رابعة هما أنتوا التلاتة بس."


"والا، أنا مش عايزة أشوف خلقتك تاني في أي مكان،" بصقت جميلة كلمتها وتحركت بعيدًا


رفعت سارة عينيها الباكية نحوه وخرج صوتها متحشرجًا "أنت أتغيرت، مش أدهم اللي أنا حبيته، مش أنت الشخص اللي أنا قابلته، أنا مش بحب الشخص ده،" ثم رحلت هي الأخرى وهي تمسح الدموع عن عينيها


أخفض رأسه وبدأ الحزن يتملك منه، في حين وقفت أميرة تنظر له بألم، رفع عينيه نحوها منتظرًا أن توبخه هي الأخرى، غير أن تلك صدمته بجملتها المرتعشة


"أنا مش عارفة أقولك إيه، حسبي الله ونعم الوكيل فيك، ربنا يرزقك باللي يكسر قلبك زي ما كسرت قلبي."


ثم ترجلت بعيدًا عنه لتتركه واقفًا ينظر بخزيٍ إلى الأرض ولا يجرؤ حتى على رفع عينيه، ماذا فعل؟ وكيف فعلها؟ لم يكن هو هذا الشخص .. إنه يشعر بأنه شخص مختلف تمامًا، ليس راضيًا عن نفسه، لكن هل كان راضيًا عن نفسه القديمة؟ لا .. لم يكن راضيًا أيضًا، ذلك الرجل الخجول الذي ينحرج من الإدلاء برأيه ولا يستطيع صياغة جملة كاملة دون أن يرتبك، كان مكبوتًا طوال حياته ولا يدري ماذا يفعل للخروج من هذا الكبت، ثم تعرف على الجماعة في ذلك اليوم الأغبر، وبدأ يتعلم منهم ويعرف كيف يتحدث ويتصرف بثقة .. وكأنه كان كالجائع الذي وُضع أمامه الكثير من الطعام فبدأ يأكل بشراهة دون الاهتمام بهل ما يفعله صحيح أم لا؟


ترقرقت عينيه وجلس على على الأريكة ليكوب رأسه بين يديه، إن كلا الشخصان لا يرضيانه، لا يريد أن يكون ذلك الخجول معدوم الثقة، ولا يريد أن يكون زير النساء معدوم الأخلاق ...


نزلت دمعة من عينيه عندما شعر بالتيه والضياع، وكأنه لا شيء، لا يستطيع الشعور بنفسه، ولا يعرف من هو بعد الآن.


فجأة شعر بالبرودة والوحشة ونظر حوله فلم يسمع أي صوت، ليدرك بأنه قد عاد بمفرده من جديد.


جلس على أقرب أريكة قابلته وتكور على نفسه ثم صوب عينيه نحو اللا شيء.


بقى هكذا لمدة طويلة لم يحصِها حتى فوجئ بأحمد يترجل للداخل وهو يصيح بحماس وبنبرة سعيدة حقًا "أدهم .. داليا قالتلي إنها بتحبني يا أدهم، وقالت إنها هتدي علاقتنا فرصة وهتتابع مع دكتور نفسي عشان تتخطى الصدمة." ثم وقف ينظر حوله بتعجب "هي فين أميرة ومراة دكتور مصطفى؟ البيت هادي كدا ليه؟"


رفع عينيه الدامعة نحوه فتصنم أحمد في مكانه وسقطت ابتسامته "مالك؟"


نفى برأسه ومسح عينيه بسرعة "مافيش."


لكن الآخر هرول نحوه بسرعة ليجلس بجانبه "مالك ياض؟ حد عملك حاجة؟"


ترقرقت عينيه مرة أخرى وهمس بنبرة متحشرجة "أنا اللي عملت."


"عملت إيه؟ فيه إيه؟" ألح أحمد وتحت إصراره بدأ الآخر يسرد له كل شيء، كل شيء سيئ قد فعله وكل شيء يشعر به الآن من فقدانٍ للهوية وشعورٍ بالضياع، اصتنت له الآخر جيدًا حتى انتهى وكوب رأسه بين يديه ثم أضاف بحزن "أنا مش عارف أنا مين ولا المفروض أكون إيه!"


ربت أحمد على كتفه وابتسم "تعرف، وأنت بتكلمني وتحكيلي دلوقتي أنت عملت إيه وحاسس بإيه، فكرتني بمين؟"


رفع عينيه نحوه فأكمل الآخر "بنفسي، فكرتني بنفسي يا أدهم."


"بس الفرق إني فوقت متأخر، بعد ما كنت نيلت الدنيا مع بنات كتير مش تلاتة بس، كويس إنك أدركت إن فيه حاجة غلط بدري، وخليني أقولك على حاجة .. طبيعي إنك تتغير، مافيش حد ما بيتغيرش، وطبيعي بعد ما كنت محبوس جوا الجحر بتاعك بقالك تلاتة وعشرين سنة إنك لما تطلع منه تبدأ تتصرف بتهور، وطبيعي بعدها برضه إنك تحس إن فيه حاجة غلط .."


"أنا مش عايز أكون كدا، ومش عايز ألعب ببنات الناس، بس أنا مش عارف أنا بحبهم كلهم إزاي مش فاهم!" تمتم أدهم فابتسم أحمد وأومأ له بتفهم "ما يمكن أنت ما بتحبهومش أصلًا بس بيتهيألك إنك بتحبهم؟"


"إزاي مش فاهم؟"


"عارف، قبل ما أقابل داليا، كان بيتهيألي إني بحب كل اللي مرتبط بيهم، أنا معجب بحاجة في كل واحدة فعقلي صورلي إني بحبهم كلهم."


"وبعدين؟"


"بعدين لما قابلت داليا، اكتشفت إن الحب مختلف تمامًا، مش مجرد إعجاب بشكل ولا طريقة كلام ولا لبس ولا حتى شخصية .. الحب إنك تبقى شايف الشخص اللي قدامك مش هو أفضل حاجة، شايف عيوبه قدامك وشايف كل حاجة سيئة فيه، ومع ذلك بتحبه ومتقبله بكل حاجة فيه."


"تعرف أنا عرفت كام بنت؟ بالميت كدا حوالي سبعتاشر واحدة، عارف مين الوحيدة اللي قدرت أتكلم معاها بتلقائية وبدون تفكير والوحيدة اللي بأبقى ببذل كل جهدي عشان أضحكها وأشوفها مبسوطة، والوحيدة اللي لما بكون قاعد معاها وأحنا الإتنين ساكتين كنت بحس إني برضه متونس بوجودها وحاسس بالدفا؟"


ابتسم أدهم وأومأ ليجيب "داليا."


"أيوة، أنا مستعد أقعد أنا وداليا لوحدنا ساكتين وبنشرب سيجارتين وهكون حاسس إني بقضي أفضل أوقات حياتي في حين إني كنت بمل من أي واحدة بسرعة، فالحب مش اللي في دماغك صدقني، ده مجرد إعجاب بحاجة وبيروح لحاله، الحب مختلف تمامًا، وأنت لما تقابله هتعرف إنه مختلف عن أي حاجة أنت حسيت بيها قبل كدا."


"فهمتك،" هز رأسه فاقترب أحمد ليحيط عنقه بذراعه وشده بحركة طفولية "وبعدين أنت مش شخص وحش، أنت أنقى شخص قابلته حقيقي."


ضحك أدهم وحاول الإفلات منه، لكنهما فزعا فور سماع صوت شخصًا يعرفانه جيدًا يصيح "أنتوا بتعملوا إيه؟!!!!"


ابتلع أحمد لعابه وهمس بنبرة منخفضة "سعاد!"


في حين دفعه أدهم بعيدًا ونهض ينظر لجدته بابتسامة صفراء "والله ما اللي في دماغك، أنا لسه كنت عارض الجواز على تلاتة مرة واحدة، والواد ده بيحب واحدة وهيتجوزها."


"خلاص يا أدهم، مافيش داعي للكدب، هي خلاص اكتشفت الحقيقة، دي قفشانا لحد دلوقتي خمس مرات يا عم، ده أنا عمري ما أتقفشت مع بنت!" تمتم أحمد ممثلًا الأسف فصرخ أدهم فيه "أنت بتقول إيه ياض اخرس الله يخربيتك!"


رفعت سعاد عكازها وصاحت "قسمًا بعزة جلالة الله، لتكون متجوز شيري."


توسعت أعين أدهم وسقط فكة ثم صرخ بجنون "الحق يا عم! بتقولك شيري! يعني أنا لسه مفركش مع تلات مزز يحلوا من على حبل المشنقة وفي الآخر أتجوز شيري! لا، بصي أنا قوس قزح فعلًا وحرام تظلمي بنت الناس الطيبين ربة الصون والعفاف الآنسة شيري معايا."


"والله لو عملت إيه يا كلب، هتتجوز شيري يعني هتتجوز شيري،" ضربته جدته بالعكاز فنهض أحمد وهمس له "خلاص بص، هي شيري دي وحشة أوي يعني؟"


"هي مش وحشة بس عبيطة وهبلة وبت ملزقة ومسهوكة في نفسها كدا زائد إنها لدغة."


"في كام حرف؟" تساءل أحمد بجدية فرمقه الآخر بغيظ وهو يصك على فكيه فأكمل أحمد "أصلها تفرق، يعني لو حرف ولا حرفين خلاص مش مشكلة خلقة ربنا يعني."


"لدغة في الدال، بتقولي يا أتهم! أنا مش أتهم أنا!!!" صرخ بغيظ فنظرت له جدته بتحدي "ما أنت هتتجوز يعني هتتجوز، أنا مش هرتاح إلا لما تتجوز."


"خلاص هتجوز بس مش شيري وهي ركبت في دماغي بقى."


"اومال هتتجوز مين؟ آه أنت أكيد حاطط عينك على داليا أنا حاسة."


تجهمت ملامح أحمد ونظر لأدهم بطريقة مخيفة "والا، إيه اللي جدتك بتقوله ده؟"


"يا عم داليا إيه دي اللي أتجوزها أنت كمان! دي واحدة بتشرب سجاير وأنا بشرب جهينة ميكس شوكولاتة!" دفعه أدهم بعيدًا


هدأ أحمد وتقدم من سعاد "لا بصي، داليا دي تلزمني تمام؟ أنا اصلًا كنت بنطلكم كل شوية عشان أشوفها في البلكونة، وبعدين أنا رايح أقابل خالها النهاردة."


استفهم أدهم "رايح تقابل خالها إزاي؟ مش خالها ده كان مسافر بقاله شهرين تقريبًا؟"


"ما هو رجع من السفر وخدتلي معاه معاد النهاردة فهمشي من هنا وهروح أقابله."


ضيقت سعاد عينيها بشك "يعني أنت هتتجوز داليا؟"


"أيوة."


"يلا، ما أنت وهي بايظين زي بعض،" أكملت فنظر لها أحمد بحنق "الله يبارك فيكِ يا تيتا."


كان سيتحرك بعيدًا لكن أدهم أمسك به "استنى هنا، أنت رايح فين، أنا خايف مراة دكتور مصطفى تروح تبلغ عننا!"


توقف أحمد في مكانه وحمحم "بص، أنت تلم هدومك وتسيب العزبة وترجع بيتكم دلوقتي ونتقابل بكرة أنا وأنت وهشام ونشوف حل في المشكلة دي، بس انا لازم أمشي دلوقتي، يا دوبك ألحق أوصل الجيزة."


وافقه ثم تركه يرحل وجلس ينظر أمامه بتيه حتى أيقظته جدته من غفلته "يعني مش هتتجوز شيري برضه؟".


في الخامسة مساءً كان أحمد يجلس أمام داليا على طاولة في مطعم حيث اخذا ميعادًا من خالها هنا، كانا يتحدثان ويضحكان حتى توسعت عينيه وسقطت ابتسامته عندما رأى ذلك الرجل الضخم يتقدم منه، هو رأى هذا الرأس الأصلع من قبل، ابتلع لعابه ونظر حوله، ماذا يفعل كابتن ميخا هنا؟ لماذا يظهر الآن؟!


ابتسمت داليا ونهضت تصافحه في حين ارتعب الآخر في جلسته ونظر حوله بتوتر، لم يلاحظه ميخا حتى الآن وهو قد حرص على الانكماش في كرسيه حتى كاد يغرق بداخله


"خالو، ده أحمد اللي قولتلك عليه،" قدمته لكابتن ميخا وحينها جف حلق الآخر وكادت الجلطة تصيب رأسه، حرك ميخا عينيه له، نظراتٌ ثاقبة تخترقه جعلته يتساءل هل يتذكره؟


"أحمد، ده خالو هادي .." قدمته لأحمد فنهض بخوف ومد يده بتوتر لميخا الذي قبض على يده وابتسم ثم ضيق عينيه وتساءل "أحمد .. أنا شوفتك قبل كدا؟"


سارع بالنفي برأسه بشكلٍ مضحك وهذا جعل ميخا يتفحصه من أعلى لأسفل بشك "يعني ما اتقابلناش؟!"


"ما أظنش يا أستاذ ميخ.. هادي، ما أظنش يا أستاذ هادي،" أجاب وهو يبتلع لعابه


"يمكن شوفته في الجيم يا أحمد؟ أصل خالو عنده صالة جيم .." قالت داليا وهي تجلس وجلس الآخران أمامها فنفى أحمد برأسه "لا، مابروحش جيم أنا."


سخر هادي "جيم إيه يا بنتي، أنتِ مش شايفة الباي والتراي بتوعه عاملين إزاي؟ ابعتيهولي الصالة عندي يتظبط شوية بدل العار ده، أنا ماينفعش أجوز بنت أختي لواحد شبه البرص كده، عيبة في حقي."


ضحكت داليا ونظرت لأحمد بمكر "ما تروح يا أحمد، خليه يظبطك."


نفى برأسه ونطق بصوتٍ مبحوح "لا، مش عايز أتظبط أنا."


"أنت متأكد إننا ماشوفناش بعض؟" تساءل ميخا من جديد فأجاب "وربنا ما حصل."


أومأ ميخا وسرعان ما ضربه على صدره مازحًا "سعيد إني شوفتك يا أحمد." لكن عينيه سرعان ما لمحت علبة سجائره الموضوعة على الطاولة بجانب محفظته ومفاتيحه


رفع عينيه لأحمد ببطء وتهديد "أنت بتشرب سجاير؟!"


نبرة صوته جعلت الآخر يستعيد ذكريات يحاول نسيانها فأمسك بعلبة السجائر وسارع بقذفها بعيدًا "لا مش بتاعتي ولا أعرفها، أنا عمري ما شربت سجاير حضرتك."


نظرت له داليا باستغراب "إيه يا أحمد اللي بتقوله د.." همت لتتكلم لكنه قاطعها "اخرسي يا هانم، ولا كلمة زيادة، إيه؟ هتكدبي كلامي من أولها؟ قولتلك مش بتاعتي يعني مش بتاعتي."


عقدت حاجبيها وطالعته بدون فهم وحولت أنظارها إلى خالها، أحمد يتصرف بطريقة مريبة منذ رأى خالها! ترى ما السبب؟


رفعت كتفيها وصمتت في حين كان كابتن ميخا يحك ذقنه وينظر لأحمد بتفحص فأمسك الآخر بالقائمة خاصة المطعم ووضعها أمام وجهه ممثلًا بأنه يرى ماذا سيطلب


"تعرفي يا داليا، من قيمة تلات شهور كده فيه واحد جيه الجيم، وشرب سجاير في الجيم بتاعي، بيتحداني .." قال ميخا فجأة فابتلع أحمد لعابه ونظر بطرف عينيه لميخا من خلف قائمة الطعام


"ومش بس كده، ده كمان كان عايز يهرب قبل ما يكمل التمرينة،" أكمل ميخا وهو ينظر لأحمد بأعين ضيقة فأخفض الآخر الورقة بحيث أصبحت عيناه فقط ظاهرة من خلفها وبدأ يحرك أصابعه بتوتر على سطح الطاولة


"وعملت إيه يا خالو؟" تساءلت فقال بغيظ وهو يتبادل النظر مع أحمد "نصحته يبطل سجاير عشان صحته، وخليته يشترك خمس شهور بالعافية، دفعهم وماجاش تاني، تفتكري لو شوفته أعمل فيه إيه؟"


"تعفو عنه طبعا يا باشا، هو تلاقيه بس عنده ظروف ومشغول فماجاش!" سارع أحمد بالإجابة وهو يضع الورقة من يده على الطاولة


"آه، ظروف إيه دي؟ حب ولفلفة صح؟ الجيم أهم ولا الحب واللفلفة؟" قال وهو يضربه على صدره فأومأ بسرعة


"الجيم طبعًا، بعدين ما يمكن عنده مشروع تخرج؟ عادي بتحصل والله، نلتمس العذر للناس برضه يا كابتن ميخا."


نظر ميخا لداليا وقال "خطيبك محترم، شوفي، الرجل اللي يحترم جيمه أنا أحترمه، مش زي الواد الفاسد البايظ اللي هرب اللي لو شوفته هظبطه."


كانت داليا كالأطرش في الزفة وضحكت وهي تنظر لأحمد "ما تروح يا أحمد الجيم مع خالو وأهو بالمرة تتعرفوا على بعض."


"من غير ما تقولي، والله كنت رايح، بصي، أنتِ لو فتحتِ قلبي وبصيتي جواه، هتلاقيني رايح الجيم بتاع خالك."


"شاطر، مستنيك ها، أنت أكيد عارف العنوان، ولو ماعندكش وقت فأنا ممكن أجيلك أظبطك في البيت،" ضربه ميخا على صدره من جديد فوضع يده على صدره بألم ونفى بخوف "لا ماتتعبش نفسك، أنا جايلك."


ابتسمت داليا بحماس وأمالت عليه وهمست "ركز على الآبس بقى ها؟"


"لعلمك، العبرة مش بالآبس والعضلات، اللي قدامك ده ارتبط وعلق بنات بعدد شعر راسه."


"بس برضه، ماعندكش آبس! ما تعمل آبس يا أحمد ما تبقاش رخم."


نظر لها بطرف عينيه وتذمر "عندي على فكرة." لكنه وجد ميخا يسخر "قفصك الصدري ده بتسميه عضلات؟"


حمحم وتراجع في أقواله "بهزر معاكِ، خلاص بصي، اعتبري الآبس موجودة من دلوقتي ما دام كابتن ميخا يبقى خالك، ست قطع شوكولاتة."


ابتسم ميخا برضى وتمتم "حلو، كدا تعجبني، قولتلي بقى هتشتغل إيه بعد التخرج؟".


في مكانٍ آخر كان مصطفى يجلس أمام مكتب أيمن بهيئة رثة وأمامه زوجته تبكي بحرقة "معلش يا مصطفى سامحني والله ما كنت أعرف إنك محبوس."


ثم نظرت لأيمن وأكملت "لو سمحت يا حضرة الظابط أنا عايزة أقدم بلاغ في أدهم مقلاد والتلاتة اللي كانوا معاه وبنت اسمها داليا كانت مشتركة معاهم، لأنهم خطفوني وضحكوا عليا.".

Admin
Admin