الفصل 47 - رواية أربعة في واحد

 47- سبعة وأربعون

الفصل 47 - رواية أربعة في واحد


"تيجي دور بابجي؟" قالت داليا فور فتحه للمكالمة فسمعت ضحكاته من الجهة الأخرى واستهجن بطريقة مازحة "افتكرتك هتقوليلي وحشتني عشان ما أتكلمناش النهاردة!"


"لا ما وحشتنيش، تلعب بابجي؟"


"لعلمك وحشتك، بس أنتِ مش عايزة تعترفي لنفسك حتى وخدتِ لعبة بابجي حجة."


صمتت لنصف دقيقة ثم تذمرت "يعني هتتنيل تلعب بابجي ولا لا؟!"


"هتنيل،" أجاب ثم أكمل


"عشان أنتِ كمان وحشتيني،" قهقه وفوجئ بها تزمجر "تصدق إنك رخم!" وقبل أن يجيب كانت قد أغلقت المكالمة في وجهه لكنه ابتسم وعض شفته السفلى باستمتاع وهو يعتدل على سريره وسحب الحاسوب ليفتحه كي يدعوها لدور بابجي كما أرادت.


بدأت اللعبة ووضع السماعات في أذنيه بينما خارج غرفته كانت أمه قد قررت اقتحام غرفته فجأة لأنها سمعته يتحدث مع فتاة، وظنت أنه يكلم فتاة في مكالمة مرئية وبأنها ستدخل لتجده يسارع بإغلاق حاسوبه كالمعتاد، لكن فور فتحها للباب وجدته يرفع رأسه بابتسامة ويتحدث في السماعة "ثواني يا داليا."


قطبت أمه جبينها وضيقت عينيها "هي دي داليا اللي بتكلمها؟"


"آه!"


"بتكلمها في إيه؟"


"بنلعب بابجي!"


كانت لا تصدقه وتحركت لتنظر إلى حاسوبه فوجدتها لعبة فعلًا، وحينها ابتسمت وأمالت على رأسه لتضع قبلة عليه وأردفت "سلملي على داليا."


استغرب تصرفها ذلك لكنه شعر بالسعادة كثيرًا لكونها راضية عنه الآن وقد بدأت تستلطف داليا، راقبها تغادر بهدوء وتغلق الباب خلفها وهي تتمتم "ربنا يهديك.".


كان قيس في غرفته في منزل والديه يستمع لصياح أمه خارج غرفته وضربها على بابه الذي أغلقه بالمفتاح "أنت يا اللي ماعندكش دم، أنت بتحدد معاد كتب كتابك من غير ما تقولنا وجاي تقولي كتب كتابك بكرة! ما أنت حيوان!"


قلب عينيه عندما سمع صوت أخته بلقيس قد ظهر "إيه! كتب كتابه بكرة!"


"آه، البيه أخوكِ اللي ما شافش نص ساعة رباية بيبلغ أمه بميعاد كتب كتابه قبلها بيوم!"


"Oh my God أنا كدا مش هلحق أشتري فستان!"

تذمرت بلقيس فوجدت أمها تدفعها وتصيح في وجهها هي الأخرى


"هو ده اللي هامك! بقولك بيقولنا معاد كتب كتابه قبلها بيوم! وقافل عليه الباب بالمفتاح، ماشي يا قيس .. إما وريتك!"


صاح من الداخل "أنا قولت لبابا من أسبوع مش مشكلتي إنه ما قالكومش!"


"وما تجيش تقولي أنت ليه يا عديم التربية؟ بتعاملني معاملة الأغراب؟ ده تلاقيك حتى الأغراب قولتلهم بدري عن كدا!" ضربت أمه على الباب من جديد ثم سمع صياح بلقيس


"أنت عيل رخم، عشان أنا ما لحقتش أشتري فستان!"


حركت لُبنى عينيها نحو بلقيس بغيظ فابتلعت الأخرى لعابها وحمحمت "خلاص هلبس أي فستان."


"غوري من وشي أنتِ كمان،" صرخت فهرولت بلقيس بعيدًا في حين أكملت لبنى صراخها على قيس "وأختك الكبيرة أماني نتصل بيها نقولها دلوقتي كتب كتاب أخوكِ بكرة؟ ده أنت مجرم! أنا مش عارفة أعمل فيك إيه! ربنا ينتقم منك يا شيخ!"


قلب قيس عينيه وأكمل مراسلته مع ليلى وبدأ بالنقر [أنا مش مصدق إننا هنتجوز بكرة خلاص.]


"طبعًا ما تلاقي الحلوة بتاعتك هي اللي قالتلك تعمل كدا،" صاحت أمه من جديد وهي قد نجحت أخيرًا باستفزازه فألقى بهاتفه على السرير ونهض يفتح الباب بوجهٍ ممتعض


"الحلوة بتاعتي دي اتصلت بيكِ خمس مرات من أربعة أيام عشان كانت عايزة تطلب منك تنزلي معاها تنقيلها فستان عشان عجبها ذوقك، بس لُبنى هانم هترد عليها ليه؟"


صكت والدته على فكها وابتلعت لعابها "أنا افتكرتها بتتصل عشان تطلب مني إنها ترجع لك! فما رضيتش أرد عليها."


اعتلت الصدمة وجه قيس وشبك ذراعيه أمام صدره "ولو كانت بتتصل عشان كدا فعلًا ما كنتيش هتردي عليها رغم إنك عارفة إني عايزها وبحبها؟ هو أنا مش فارق معاكِ للدرجة دي؟"


صمتت فابتسم ابتسامة ساخرة ورمقها بإزدراء "أنا مش عارف أقولك إيه! عمومًا تيجي بكرة ما تجيش براحتك، أنا هكتب كتابي عليها بكرة يعني هكتب كتابي عليها بكرة، وبعدين ما تتحمقيش كدا ده كتب كتاب لسه مش فرح."


"والفرح إمتى؟"


"الأسبوع الجاي،" أجاب فتجهمت ملامح أمه أكثر وجحظت عينيها وهي تصك على فكيها بغيظ ثم صرخت في وجهه


"أنت ماكنتش ناوي تقولي على الفرح كمان؟ طب والمعازيم مين يعزمهم! طنطك جوجو لو عرفت إنك هتتجوز كمان أسبوع وهي ماتعرفش هتزعل!"


"قولي لطنطي جوجو إن كل حاجة جات فجأة، سهلة أهي! وبعدين جوجو إيه؟ دي اسمها (جمالات)!"


"ما تلم نفسك يا ولد وتتكلم على طنط جوجو عدل!"


"يا ماما جوجو إيه يا ماما! طنط جمالات دي تاريخ صلاحيتها انتهى من أيام هوجة عرابي!"


"قصره، الفرح ده يتأجل يا كدا يا مش حاضرالك فرح،" شبكت يديها أمام خصرها ورمقته بتحدي لكن الصدمة شلت رأسها عندما سخر "ما تجيش، لا أنتِ ولا طنطي جوجو ولا سوسو ولا دودي، أنا حجزت القاعة والشقة جاهزة على الفرش وهتتفرش كمان يومين."


ثم تركها وترجل لغرفته وأغلق الباب خلفه ليضعها أمام الأمر الواقع، ثم التقط هاتفه واتصل بليلى، وفور ما أجابت كان قد ابتسم وتمتم "معلش يا حبيبتي كنت في الحمام."


سمع ردها ثم ألقى بجسده على السرير وهمس لها "بكرة هتبقي حرم قيس سالم المرشدي، مش هتصدقي أنا مبسوط قد إيه."


جاءه صوتها من الجهة الأخرى بنبرة خجولة "وأنا كمان."


"ليلى هطلب منك طلب، وتوعديني تنفذيه؟"


صمتت فأكمل ضاحكًا "مش طلب قليل الأدب ما تخافيش!"


"بطل غلاسة، واتفضل قول طلبك؟" تذمرت فأجاب بجدية "لو سمحتِ بكرة ما تحطيش مكياج أوفر، حاجات بسيطة كدا وخلاص، أنتِ حلوة لوحدك أصلًا وأنا بقيت بحبك من غير مكياج."


توردت وجنتيها وهمست له "حاضر."


سمعت قهقهاته الخشنة من الجهة الأخرى لمدة قليلة قبل أن يهمس لها "ربنا يعيني ويعدي الأسبوع اللي قبل الفرح ده على خير." لكنها لم تفهم فاستفهمت "إيه؟" ليضحك مرة أخرى ويهمهم "لا ماتحطيش في بالك.".


كان أحمد قد خسر دوره مع داليا التي ضحكت وسخرت منه من خلال سماعة الهاتف "تيجي دور تاني عشان تعوض؟"


قلب عينيه وأضاف كاذبًا "على فكرة سيبتك تكسبيني بمزاجي."


"يا رجل!" ضحكت فهمس لها "أنا مستعد أخسرلك للأبد عشان أسمع صوت الضحكة دي."


انقطع صوتها فجأة وتوقفت عن الضحك لكنه كان يستمع لصوت أنفاسها الذي يعلمه بأنها لا تزال هنا تستمع له، وهذا جعله يستغل الوضع ويبدأ بتنفيذ خطته التي قد وضعها لترغيبها في الزواج وجعلها تتخلى عن فكرتها السيئة عنه وتعرف أنه سيتعامل معها برقة شديدة عكس ما حدث معها تمامًا.


"تعرفي لما نتجوز، أول حاجة هعملها لما ندخل بيتنا إني أبوس إيدك،" همس لها بنبرته الرخيمة تلك بينما كانت الأخرى في صدمة تمامًا وابتلعت لعابها لتبلل حلقها الذي جف فورًا.


"وهديلك وردة، هتكون وردة بيضا، عشان هتليق في وشك لما أحطها جنب شعرك،" أكمل بنبرة منخفضة بشدة بينما هي قد بدأت أنفاسها تتثاقل وعقلها قد توقف ولا تدري ماذا تقول أو تفعل؟


"وبعدين هقرب منك وهرفع إيدي وألمس خدودك وهقولك إني ب.." كان سيكمل لكنها قاطعته بسرعة


"بقولك يا أحمد، ماما بتنادي عليا سلام." وفوجئ بالمكالمة تنغلق في وجهه فأغمض عينيه بضيق وزم شفتيه معًا وهو ينظر أمامه بيأس، لقد هربت منه تلك الماكرة الصغيرة! فقط لو كانت قد انتظرت قليلًا وأعطته الفرصة للحديث لكان على الأقل قد بدأ يغير فكرتها قليلًا ..


بينما في مكانٍ آخر كانت هي قد تربعت على السرير وهي تحاول أن تلتقط أنفاسها بصعوبة، يقبل يدها؟ ويعطيها وردة ويلمس خدها؟ ما مشكلة هذا الأبله! ما هذا الكلام الذي كان يقوله!


لكنها لم تلبث أن نظرت ليدها وتلمستها بيدها الأخرى وهي تتنفس بصورة عشوائية تماثل تزاحم الأفكار في عقلها، ولم تشعر بتلك الابتسامة الصغيرة التي ارتسمت على شفتيها وهي تحملق في يدها بتيه، لكنها سرعان ما رفعت رأسها لتصطدم بوجهها المبتسم في المرآة أمامها، قطبت جبينها وأشاحت بوجهها بعيدًا، لكن رغمًا عنها كانت قد عادت لتنظر ليدها من جديد .. لماذا قد بدأت تسترجع صورته وهو يقبل يدها عندما كانت تبكي في الشرفة وترقص على أنغام الموسيقى؟ ولماذا بدأت فكرة تقبيل يدها ثانيةً تروق لها كثيرًا الآن؟ تبًا له ولما يجلبه لرأسها من أفكار.


في اليوم التالي في السابعة مساءً وتحديدًا في بيت أمين، سحب المأذون المنديل عن يد قيس التي تتشابك مع يد حماه وقال "بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما في الخير."


وحينها تعالت الزغاريد وترك قيس يد حماه ونهض يحتضنه فاحتضنه آمين بالمقابل وربت على ظهره "مبروك، خلي بالك منها."


"في عيني يا عمي،" أجاب بالمقابل واستدار نحو والده الذي اقترب ليبارك له بابتسامة واسعة فعانقه قيس سريعًا بسعادة بالغة؛ لأن أباه تركه يتزوج بليلى دون أن يبالي برأي أمه وأختيه


"ألف مبروك، امسك نفسك لحد الفرح بس، ما تجيبليش مصيبة وحياة اللي خلقك،" ضحك والده وهو يعانقه فقهقه الآخر وابتعد يمسح أنفه بحرج


وجد هشام في وجهه والذي كان مبتسمًا واقترب يبارك له ثم هدده "مبروك، خد بالك منها عشان قسمًا بالله لو عملتلها حاجة لا هيهمني جوزها ولا مش جوزها."


قلب قيس عينيه واختار عدم الشجار وربت على كتفيه بابتسامة "مبروك يا أبو نسب، عقبالك."


جاء أحمد وأدهم ليباركوا له أيضًا وتوالت عليه التهاني من الناس ثم بدأ ينظر يمينًا ويسارًا بحثًا عن ليلى فوجدها تصافح الناس هي الأخرى، علق عينيه عليها عندما اقتربت منها أمه وأختيه بابتسامة صفراء مزيفة، لاحظ ليلى تتوتر وعندما قالت أمه لها "مبروك." كانت الأخرى قد سارعت بعناقها وهي تضيف بابتسامة واسعة "الله يبارك فيكِ يا ماما."


بدت أمه مصدومة من عناق ليلى لها ولا تعرف ماذا تفعل، لكنها ربتت على ظهرها وأبتعدت عنها ببطء ثم رتبت شعرها وحمحمت وهي تنظر يمينًا ويسارًا حتى وقعت عينيها على أعين قيس، تبادلا نظراتٍ غامضة ثم أشاحت أمه بوجهها بعيدًا بينما أقتربت اخته بلقيس تهنئ ليلى ثم تلتها أخته الأكبر أماني والتي تحمل بين يديها طفلًا صغيرًا لتهنئها هي الأخرى.


كان قيس ما زال يراقبها وهي تصافح الناس حتى نفد صبره وتحرك نحوها وهذه المرة أمسك بذراعها بدون اهتمام برؤية أحدًا له، استدارت له بدون فهم فهمس لها "تعالي عايزك."


تحركت معه حتى أدخلها الشرفة وأغلق الباب خلفهما، ثم أخرج علبة حمراء من جيب بنطاله، وفي وسط مشاهدة منها قد فتحها ليظهر بداخلها سلسلة ذهبية باسم ليلى


"دي ليكِ،" قال فالتقطتها من يده بفرح "حلوة أوي."


"طب لفي عشان ألبسهالك،" همس لها فاستدارت بتردد وعندما اقترب منها كانت قد توترت وابتعدت لكنها فوجئت بيده تمسك بخصرها مثبتًا إياها في مكانها ثم أمال عليها وهمس "ما تتحركيش، أنا جوزك دلوقتي."


ارتفعت ضربات قلبها عندما شعرت بصدره خلف ظهرها وكانت ستبتعد لكن قبضته اشتدت على خصرها وتمتم "هو أنا قولت إيه؟"


وقفت بهدوء في مكانها وهي تتنفس بصعوبة، أجبر نفسه على إزالة يداه عن خصرها ورفع يداه بالسلسلة ليلبسها لها، ابتعدت عنه بسرعة عندما شعرت به ينتهي من إغلاقها


علق عينيه على مكان السلسلة وابتسم ابتسامة جانبية "حلوة عليكِ."


رفعت يدها بسرعة تتحسسها لكنها رغبت بإبعاد عينيه عنها ليس أكثر


اصطدمت به يقترب منها فتراجعت للخلف لكنه لم يهتم وأكمل تقدمه منه حتى وجدت الحائط خلفها وقيس أمامها "مبروك يا عروسة."


"الله يبارك فيك يا قيس،" همست بنبرة مبحوحة وتوسعت عينيها عندما وجدته يميل عليها، كانت تشعر بالفعل بأنه سيفعل شيئًا كهذا، نظرت حولها بهلع ورفعت يدها لتوقفه "قيس، أنت بتعمل إيه!"


قطب جبينه وقال ببلاهة "هبوسك! هكون بعمل إيه يعني!"


شعرت بالدماء تصعد لوجهها ونفت برأسها "لا."


تبدلت ملامح وجهه فجأة وصاح باندفاع "لا؟ يعني إيه لا؟ أنتِ ناقص تقوليلي اصبر خمس سنين بعد الجواز عشان أبوسك!"


وضعت يدها على فمه بسرعة وزمجرت له "إحنا في الزفت البلكونة لو مش ملاحظ يعني!"


توقف ونظر حوله في كل مكان ثم رجع بعينيه لها "ماحدش واقف،" وقبل أن تعترض كان قد ابتسم ابتسامة ماكرة وشدها نحوه من جديد.


خرج بعد خمسة دقائق من الشرفة بابتسامة واسعة وتلته ليلى تسير خلفه كالفرخ التائه من أمه، علق هشام عينيه عليهما بينما سارعت ليلى بالهرولة نحو صديقاتها وتحرك قيس نحو أصدقاءه.


فور وقوفه أمامهم أمال أحمد عليه وهمس في أذنه "امسح الروج اللي على بوقك قبل ما هشام ياخد باله، الله يخربيتك."


رفع يده بسرعة ليمسح شفتيه اللتان مسحهما بالفعل قبل أن يخرج لكن يبدو أنه لم يمسحهما جيدًا.


بينما في زاوية أخرى وقفت رحمة أمام ليلى بابتسامة واسعة تقول بحماس "مش مصدقة بجد، خلاص بقيتِ متجوزة رسمي!"


في حين أن أعين ليلى توجهت تلقائيًا نحو مكان قيس فوجدته بالفعل ينظر لها، سارعت بإبعاد عينيها عنه، الوغد .. لقد قبلها رغمًا عنها في الشرفة ولم تملك الاعتراض؛ فماذا ستقول؟ سأصيح وأخبرهم أن زوجي يقبلني؟


توردت وجنتيها عندما تذكرت فعلته تلك، لكنها سرعان ما رجعت بعينيها نحوه من جديد وللمرة الثانية تتقابل أعينهما، بلل شفتيه بلسانه في حركة تلقائية ليجعلها تقضم شفتيها بتوتر هي الأخرى وتعود بعينيها إلى رحمة فلم تجدها.


لكنها تابعت قيس يتحرك نحو أبيها، يميل عليه ليهمس في أذنه ببعض الكلمات، ثم والدها يهز رأسه بالموافقة، وسرعان ما حرك رأسه لها وأشار لها بالقدوم فتحركت بخطواتٍ متعثرة نحوهما


"قيس عازمك برا، روحوا اتفسحوا شوية وارجعوا،" قال والدها فارتفعت ضربات قلبها ورفعت عينيها إلى قيس الذي شعرت بأن ملامح ماكرة تعلو وجهه


لا تستطيع الاعتراض، ولا تستطيع التكلم، لم تملك غير الموافقة وفي ظرف عشرة دقائق كانت تجلس في سيارة قيس بجانبه وهو يحرك مفاتيحه ليدير المحرك وينطلق بها


"يكون في علمك اللي حصل ده عمره ما يتكرر تاني،" رفعت سبابتها في وجهه ومثلت الصرامة لكنها وجدته يتجاهلها ويبدأ بالصفير بفمه دون أن يزيح عينيه عن الطريق وكأنه لا يهتم


"أنا بكلمك على فكرة!"


أدار رأسه نحوها وابتسم ثم قال بهدوء "ليلى، ما تخليهاش تكبر في دماغي وألف بالعربية وأخدك على شقة الزمالك عشان أكرر اللي أنا عملته ده براحتي."


"أنت قليل الأدب."


"ما تنكريش إنها عجبتك."


"أنت قليل الأدب!" زمجرت فرفع كتفيه وقال بلا مبالاة "عجبتك."


انكمشت على نفسها وأنكرت "ما عجبتنيش."


ضحك عاليًا ونظر لها بطرف عينيه "خلاص ولا تزعلي."


توسعت حدقتيها عندما وجدته يركن السيارة إلى جانب رصيف فارغ ثم استدار بجسده نحوها، ألصقت ظهرها بباب السيارة واستفهمت بتلعثم "إيه؟ وقفت ليه؟"


"هديكِ واحدة أحسن من اللي ما عجبتكيش."


هربت الدماء من وجهها وكانت ستفتح الباب لكن قيس سارع بشده ونظر لها بجدية، بدى مستاءً الآن وكأنه قد تخلى عن فكرة تقبيلها


"هو أنا إيه بالنسبالك دلوقتي؟"


"جوزي .." همست بنبرة مبحوحة فابتسم ابتسامة صفراء "كرريها تاني كدا، أنا إيه؟"


"جوزي."


"طب حطيها حلقة في ودنك بقى، عشان فيه تصرفات كنت بعديهالك وإحنا مخطوبين بس مش هتتعدى دلوقتي، أولهم إنك تقولي عليا قليل الأدب، لأني مش شاقطك من الشارع، أنتِ مراتي ودافع مهرك وشاريلك شبكتك وماضي على قايمتك ومؤخرك ومن حقي حاجات كتير ما عدا حاجة واحدة مش هطلبها منك إلا بعد الفرح."


صدمها بكلامه ذلك وعودته إلى كرسيه وانطلاقه بالسيارة في صمت.


كانت رحمة تقف بجانب هشام في الشرفة ويتحدثان حتى علق عسليتيه على وجهها وابتسم بحرج ثم أشار لها وهمهم "شعرك باين.."


خجلت وسارعت بمد يدها ودفعه إلى داخل حجابها مرة أخرى، في حين حمحم الآخر وتساءل "أنتِ شعرك لونه بني؟"


أومأت وهي تنظر بعيدًا لكن الآخر استفهم مجددًا وكأن الموضوع قد حاز على اهتمامه "طويل ولا قصير؟"


"طويل، لحد آخر ضهري."


ابتسم ابتسامة صغيرة وأضاف "حلو، أنا بحب الشعر الطويل."


"ده أنا كنت ناوية أقصه،" تمتمت فسارع بالنفي "لا لا لا، ما تقصيهوش، سيبيه كدا."


ضحكت وأومأت ثم استندت بذراعها على السور فابتلع لعابه وأردف "الفستان ده حلو، واسع كدا ومحترم."


نظرت له بضحكة مكتومة وتساءلت "حلو عشان واسع؟!"


"وحلو عشان أنتِ لابساه، لونه لايق فيكِ،" أكمل بتلقائية فتبعثرت نبضات قلبها فجأة، هل هشام هو من تفوه بهذا حقًا أم أنها يُهيأ لها؟!


خجلت وأخفضت رأسها ثم حاولت تغيير الموضوع "بالمناسبة ما قولتلكش ألف مبروك لليلى."


"الله يبارك فيكِ، عقبالنا إن شاء الله،" أضاف فشعرت بالحرارة تكتسيها وعُقد لسانها لكنها بالتأكيد تشعر بالسعادة الآن لأنه لطيف على عكس طبيعته الغاشمة


"بس إحنا إن شاء الله مش هنعمل فرح،" قال فجأة ليجعل ابتسامتها تتلاشى وتعقد حاجبيها ثم تنظر له في استعداد للهجوم على جسده وتقطيعه إلى أشلاء.


"نعم؟! ده أنا مستنية اليوم ده عشان أعمل فرح!"


"تسء، فكك من الفرح، ده رمي فلوس في الأرض وأنا أصلًا لا بحب الدوشة ولا وجع الدماغ، إحنا نسافر بالفلوس دي أحسن."


"لا، أنا عايزة فرح، مش عايزة أسافر،" صممت وشبكت يديها أمام صدرها فاستدار لها بكامل جسده


"طب قسمًا بالله ما فيه فرح، أنا لا بتاع رقص ولا مسخرة من دي، ولا هسيبك تقومي ترقصي، أنتِ لو قمتِ من جنبي هطلقك في قلب القاعة."


توسعت عينيها وشعرت بالقهرة منه ومن أسلوبه، وهي التي ظنت أنه أصبح لطيف؟ من هو اللطيف؟ هشام!؟


"بعدين، ده أنا هاخدك أفسحك وهنبقى سوا وكدا، هي الفرحة دي لينا ولا للناس؟ هتبقي مبسوطة معايا أكتر ولا مع الناس؟" لانت طبقة صوته فجأة وتركها مُشوشة لا تستطيع تحديد موقفها منه الآن!


صمتت فعلق عينيه على وجهها وتذكر كلام أحمد فهمس لها بنبرة هادئة "ها؟ معايا ولا مع الناس؟"


شعرت بالحرارة تكتسي وجهها وابتسمت بخجل وهمست كالبلهاء "معاك."


قهقه بداخله ثم أردف "بالمناسبة، كنت عايز أعدي عليكِ بكرة عشان ننزل ناخد فكرة عن الدهب وكدا وتشوفي هنجيب من أنهي جواهرجي عشان لما ننزل مع أهلنا نبقى محددين هنجيب إيه."


تهللت ملامح وجهها أكثر وأجابت "لوحدنا؟"


"أيوة، أنا لسه قايل لأبوكِ وقالي ماشي."


"تعرف إن بابا بيحبك أوي؟" قالت فابتسم وأومأ "عارف، وعارف إنه واثق فيا وإلا ما كانش سابك تنزلي معايا."


"وأنا كمان واثقة فيك،" أضافت فشعر بالحرارة تكتسي وجهه ثم عدل من نظارته بحرج وابتسم.


كان أدهم قد رحل برفقة أحمد بعد رحيل قيس، تمشيا قليلًا بصمت في ذلك الشارع الجانبي الفارغ حتى قرر أدهم قطع ذلك الهدوء


"أنا عايز أتجوز."


ضحك الآخر ورفع رأسه للسماء قائلًا "وأنا كمان."


"بس أنا عندي مشكلة، أنت عارف عايز تتجوز مين، أنا بقى مش عارف! بحب التلاتة."


"خلاص أتجوزهم التلاتة، وخد واحدة رابعة عشان تكملهم الأربعة، وشوفلك سوق نخاسة تجيب منه كام جارية كدا لزوم الحبشتكنات."


توقف أدهم عن السير وقال بجدية "تفتكر هيوافقوا؟"


رفع أحمد كتفيه وسخر "الله أعلم، ممكن يوافقوا وممكن يقتلوك ويقطعوك ويعبوك في أكياس بلاستيك سودا، الستات بقى خلقها ضيق اليومين دول خد بالك، خلاص ما بقاش عندهم طاقة يبذلوها في محاكم الأسرة، هي سكينة هتخلص الموضوع."


قلق أدهم كثيرًا بالرغم من كونه يعرف أن أحمد يمزح، وبدأ يهدأ نفسه بتمتمته "لا لا، إن شاء الله الموضوع مش هيوصل لكدا."


ضحك أحمد ونظر له بطرف عينيه ثم أحاط عنقه بذراعه وسحبه ليكملا السير معًا وهو يتساءل "مسافر العزبة بكرة صح؟"


أومأ "أيوة، ماينفعش أسيب مراة دكتور مصطفى هناك لوحدها أكتر من كدا، أحمد هما هيطلعوا النتيجة إمتى؟ أنا خايف، أنا حاسس إن هيتقبض علينا."


"ياض ما تخافش كلها إسبوعين والنتيجة تطلع ونخلي مراة دكتور مصطفى تروح تطلعه من الحبس، خليك أنت معاها هناك بس وما تجيبلهاش سيرة إن جوزها محبوس دلوقتي."


طأطأ أدهم رأسه وهو يهزها بحسنًا.


في اليوم التالي كان هشام قد مر على رحمة ليأخذها ليرا المصوغات كما أخبرها، وقد دخلا إلى الكثير من متاجر الصاغة حتى استقرا أخيرًا على متجر معين كانت بضاعته قد أعجبت رحمة كثيرًا لدرجة أنها نظرت بأعين طفولية لهشام وترجته "ما نجيب الدبلة دي دلوقتي بالله عليك يا هشام."


ابتسم وقطب جبينه بتفكير ثم نظر للدبلة في يدها وعاد لينظر لأعينها اللامعة المترجية "مش هينفع، أنا مش عامل حسابي إننا نشتري حاجة النهاردة يا رحمة زائد إن مش هينفع نشتري الحاجة من غير أهلي وأهلك، هيتضايقوا، تصبري بكرة وننزل كلنا نجيبهم؟"


تهلل وجهها وأومأت فنظر هشام للصائغ وحدثه "بقولك لو سمحت، تاخد خمسمية جنيه عربون دلوقتي للدبلة دي عشان ما تبيعهاش بس وإحنا جايين بكرة ناخدها مع باقي الشبكة إن شاء الله؟"


"أكيد طبعًا محلك يا باشا، ومن غير عربون، أنا مستنيكم بكرة إن شاء الله تنورونا وتنقوا كل اللي أنتم عايزينه،" قال البائع بنبرة ودودة فشكره هشام وصافحه ثم خرجا سويًا.


كانت ابتسامة رحمة تشق وجهها حرفيًا وهي تتحرك بجانبه بينما كان الآخر ينظر لها من حينٍ لآخر ويبتسم ثم يعدل من نظارته وينظر أمامه.


هذا حتى ظهر صوتًا يعرفه جيدًا من خلفه "إخس عليك يا هشومة، بقى كدا بتعملي بلوك من كل حتة؟ فاكرني يعني مش هعرف أوصلك؟ دي مصر كلها أوضة وصالة!"


فتصنم في مكانه وتلاشت ابتسامته وابتلع لعابه ثم حرك عينيه لرحمة بخوف بجانبه بخوف.


تجهمت ملامح رحمة وكانت أول من استدار فيهما لتقع عينيها على سامية التي ترتدي بنطال جينسي ضيق وبلوزة بيضاء مفتوحة الصدر، اشتعلت الدماء في رأسها ونظرت لهشام بنظراتٍ قاتلة


"وبعدين ما قولتش يعني إنك مرتبط؟" أكملت سامية بضيق فعدل من نظارته بتوتر وقد بدأ العرق يتصبب منه


"مين دي يا هشومة؟" صرخت رحمة في وجهه فسارع بالدفاع عن نفسه مقرًا بالحقيقة كاملةً


"والله دي بت صايعة كانت ماشية مع أحمد وأنا خدت رقمها منه عشان أوزها على الواد قيس عشان أفركش خطوبته مع ليلى، ومن ساعتها وهي قاعدة تتصل بيا وتقولي بحب المحترمين والدحيحة وأنت شكلك مؤدب تعالى أما أدردحك، وكل ما أعملها بلوك من رقم تجيلي من رقم تاني."


صدقته رحمة فورًا لكون سامية بالفعل قالت بأنه قد حظرها من كل شيء


حركت رحمة عينيها لسامية وتقدمت منها في استعداد للشجار "بقولك إيه يا حلوة، الواد ده خطيبي وقاري فاتحتي، يعني تلمي نفسك وتبعدي عنه يا إما قسمًا بالله أنا اللي هخلي أيامك سودا."


فوجئت بهشام يشجعها من الخلف "شاطرة يا رحمة."


"ما تخافش ياض أنت جوزي،" أردفت فرمقها بصدمة


نظرت سامية لكلاهما وسخرت "خلاص اشبعي بيه يا أختي، ده لخمة ومابيعرفش يعمل حاجة، ابقي تعالي تفي عليا لو باسك حتى."


رفعت رحمة إحدى حاجبيها بتحدي وأردفت بابتسامة صفراء "مالكيش دعوة، عاجبني كدا، هنقضيها علاقة أخوية، ليكِ فيه؟!"


قطب هشام جبينه وصرخ فيهما "جرا إيه منك ليها! هو عشان محترم وبخاف من ربنا فخلاص هتخلوني لا مؤاخذة!"


رمقته سامية من أعلى لأسفل وضحكت ضحكة رقيعة ثم نظرت لرحمة ومطت شفتيها ثم حركتهما يمينًا ويسارًا باستهزاء وأردفت


"والله يا أوختي بعتله صورتي +١٨ على الواتساب راح قايلي: اتقي الله ربنا ياخدك. وعملي بلوك، يبقى لا مؤاخذة ولا لا؟"


نظرت له رحمة بابتسامة واسعة وقالت بنبرة سعيدة "أنت عملت كدا فعلًا؟"


ابتلع لعابه وعدل من نظارته ثم أومأ بطفولية فأردفت "يا لهوي على الكيوت يا ناس!"


"لمي نفسك أنا مش كيوت!" تذمر فضحكت وشبكت يديها في يده ثم نظرت لسامية بتحدي "حتى لو لا مؤاخذة، بحبه برضه، مالكيش فيه."


رمقها هشام بانتصار وأومأ "أيوة، وأنا هتجوزها، ولعلمك هبوسها عادي."


نظرت له رحمة بحماس وهمست "بجد؟"


فدفعها بعيدًا وزمجر "ما تلمي نفسك بقى!".


بينما وصل أدهم إلى العزبة من جديد لتتفاجئ به أميرة في وجهها أثناء خروجها من المنزل، ابتسمت بسرعة وحمحمت بحرج "سي أدهم!"


شعر بقلبه ينبض وابتسم ابتسامة بلهاء ليومئ لها "آه سي أدهم!"


ضحكت ضحكة خجولة وأخفضت رأسها "حمد لله على السلامة."


"الله يسلمك، هو فين الست؟"


"الست هتلاقيها في عشة الأرانب، أصل الأرنبة والدة وهي بتحب تقعد تتفرج على الأرانب الصغيرة."


أومأ وترجل للداخل بهدوء ليجلس على أول كرسي يقابله فتحركت أميرة خلفه ووقفت أمامه "تآكل يا سي أدهم؟"


"لا، أنا سمعت سي أدهم دي شبعت والله،" ضحك فتوردت وجنتيها وسارعت بالرحيل من أمامه وهي تتعرقل في مشيتها.


ظهرت السيدة أمامه بعد ربع ساعة فنهض ليصافحها وهنا قد بدأت تسأله "أدهم هو مصطفى ما سألش عليا تاني؟"


نفى برأسه ورفع كتفيه "لا."


أحبطت ملامح السيدة وتساءلت مجددًا "طب وسارة عاملة إيه؟"


"سارة كويسة."


"ما سألتش عليا؟"


"لا بتسأل يا طنط وكانت بتعيط بس هي ماتعرفش حاجة طبعًا، مش هينفع نقولها يا طنط!"


أومأت ونظرت بعيدًا فابتلع أدهم لعابه واقترب منها "طنط، ما تقلقيش إحنا كلها إسبوعين والنتيجة هتطلع وكل حاجة هتنتهي."


رسمت السيدة ابتسامة مزيفة على وجهها وأومأت فعاد الآخر ليستريح على كرسيه وهو يتنفس الصعداء.


كانت ليلى قد استيقظت لتوها من النوم عندما وجدت قيس يتصل بها قائلًا بأن تنظر من النافذة فوجدته بالأسفل يقف بجانب سيارته ويخبرها أن تغسل وجهها وتبدل ملابسها وتنزل فابتسمت وسارعت بالدخول لتنفيذ ما قد قال؛ فهي لن تنسى أبدًا ما قد فعله لأجلها بالأمس، كيف أنه قد حجز مطعمًا كاملًا لهما فقط، وأخبرها بالكثير من الكلام اللطيف ثم توصيله لها لبيتها مجددًا وطبعه لقبلة على جبهتها قبل أن ترحل.


وقفت أمام المرآة تضع الخمار الأبيض على رأسها وتلفه بابتسامة واسعة، ثم التقطت حقيبتها وهرولت للخارج متناسية تمامًا بأنها لم تخبر أبيها أو أمها أو هشام.


ترجلت لداخل سيارة قيس وجلست بجانبه فابتسم ورحب بها "دي العربية نورت والله، دي سونيا بتزغرط."


قطبت جبينها وزمجرت "سونيا مين؟"


ضحك عاليًا وأشار للأسفل "سونيا اللي إحنا راكبينها دي!"


استوعبت أخيرًا وضحكت ثم سخرت "وإشمعنى سونيا يعني؟ ليه مش ليلى؟"


"هنغير من العربية ولا إيه؟" رفع إحدى حاجبيه فخجلت ونظرت أمامها وتذمرت "لعلمك سونيا ده اسم رخم."


"لعلمك أنتِ قمر، أنا مش مصدق إني خلاص بقيت جوز المُز ده!"


توردت وجنتيها وتذمرت "لم نفسك."


"ألم نفسي؟ ده أنا هبعتر نفسي حواليك يا قمر" غمز لها فضحكت ونظرت بعيدًا فمد يده وأدار المفاتيح ثم انطلق بالسيارة.


بعد فترة كانت ليلى قد استدارت له وتساءلت "إحنا رايحين فين؟"


"عادي هنخرج! فيها إيه لما نخرج؟"


فجأة تذكرت أنها لم تخبر أحدًا فاصفر وجهها وأردفت "يا لهوي ما قولتش لبابا ولا هشام! بابا هيتخانق معايا هو وهشام!"


قطب جبينه وحرك عينيه عن الطريق لها وزمجر "هو إيه ده اللي يتخانقوا معاكِ؟ واحدة وخارجة مع جوزها! فيه إيه؟ أنا شاقطك؟ إحنا كتب كتابنا كان إمبارح والعالم كلها عرفت إنك مراتي!"


هدأت ورمقته بأعين طفولية "بجد؟ يعني مش هيزعقوا؟"


"لو حد عملك أي حاجة اتصلي بيا، أنتِ بقيتِ على ذمتي أنا لا مؤاخذة ولا أنا دكر بط قدامك يعني؟"


ابتسمت وأومأت ثم جلست بهدوء تتابع الطريق حتى فوجئت به يتوقف في إحدى الشوارع نظرت حولها واستفهمت "أنت وقفت هنا ليه؟"


ابتسم وأسند ظهره على الكرسي ثم حرك رأسه لها "أصل دي الشقة بتاعتنا، أنتِ أصلك ما جيتيش تشوفيها لما نقلوا العفش."


ابتسمت وبدأت تتلفت حولها لتتفحص المكان الذي أدركت بأنه رائع وبأن الشقة في عمارة حديثة وراقية ثم رجعت بعينيها لقيس "حلو المكان، طب ما تيلا نمشي؟"


"أنا نسيت الشاحن بتاعي فوق أصلي، ما تيجي نطلع نجيبه وبالمرة أفرجك على الشقة؟"


قطبت جبينها ونظرت له ثم للأعلى، ابتلعت لعابها ونفت برأسها بتوتر واضح "لا، اطلع أنت هاته وأنا هستناك هنا."


ضيق عينيه وزم شفتيه معًا بدون رضى ثم استدار لها بكامل جسده فجأة "ليه؟ أنتِ خايفة مني ولا إيه؟"


"لا، أكيد لا يعني .. كل الحكاية .. إني .. رجلي وجعاني مش قادرة أطلع،" كذبت بطريقة بلهاء فرمقها الآخر بدون تصديق ثم ابتسم ابتسامة صفراء "فيه أسانسير."


"مش عايزة أطلع،" صممت وشبكت يديها أمام صدرها فقطب جبينه بغضب "أنتِ مش واثقة فيا؟"


"لا يا حبيبي واثقة فيك طبعًا!"


"طب فيه إيه؟ هو أنا هعملك إيه فوق يعني؟ أنا نفسي بس نقعد أنا وأنتِ لوحدينا شوية بعيد عن الناس مش أكتر، وأنا جوزك عادي والعالم كلها عارفين إني جوزك!"


"يا قيس مش هينفع، بابا مايعرفش ولو عرف هتحصل مصيبة."


"بقولك أنا جوزك! أنا من حقي أروح أخدك من بيت أهلك بشنطة هدومك دلوقتي! أنا كاتب عليكِ ودافع مهرك وماضي على القايمة وعلى المؤخر! بابا يعرف ما يعرفش مش مشكلة، لأني جوزك!"


"وأنا قولتلك مش طالعة يعني مش طالعة، آه .. أنا ماما حذرتني منك."


تصنم في مكانه بدون فهم "ماما حذرتك مني؟!"


"آه، قالتلي إنك صايع وما أقعدش معاك في مكان لوحدينا لحد الفرح."


سقط فكه ونظر لها بغيظ "والله؟ ليه يعني هغتصبك؟"


"اومال يعني أنت عايزنا نطلع الشقة ونقعد لوحدنا ليه! ها ليه؟"


ابتسم ابتسامة صفراء وأجاب "عشان اغتصبك، عندك حق .. تصدقي مافيش سبب تاني!"


"شوفت بقى!"


"خلاص اتلقحي هنا أنا طالع أجيب الشاحن،" رمى بكلماته وخرج يصفع الباب خلفه وهو يبرطم "منك لله أنتِ وأمك وأخوكِ بالمرة.".


لكنه عاد بعد دقيقة وفتح باب السيارة ثم ألقى بجسده على الكرسي بضيق ونظر لها "يعني آخر كلام مش عايزة تشوفي الشقة؟"


"لا."


"يا ستي حرام عليكِ بقى حسي بيا يحس بيكِ ربنا! اتقي الله فيا!"


"أنت عايز إيه بالظبط؟"


"بالظبط؟" كرر فأومأت


"بصراحة أنا عايز بوسة تاني وحضن بالمرة."


توردت وجنتيها وأشاحت بوجهها بعيدًا وهي تحاول عدم الضحك فأكمل "شوفي أنتِ نزلتِ بسقف طموحاتي لدرجة إيه؟ ارحموا عزيز قوم ذل."


"آه أنت جاي واخدني من بيت أهلي وجايبني هنا عشان كدا؟"


"آه، مالك محسساني إني جايبك بيت دعارة فيه إيه!"


"والله ما هطلع، مش طالعة معاك في أي مكان إلا بعد الفرح،" صممت وأشاحت بوجهها بعيدًا فنظر لها بغيظ


"طب تمام، والله ما هكلمك ولا هتشوفي وشي تاني إلا ساعة الفرح،" رمى بكلماته وأستدار ليحرك سيارته متجهًا إلى شبرا لإعادتها لبيتها من جديد.


كان أحمد في غرفته سيتصل بداليا لكنه فوجئ بأنها هي من تتصل به، ابتسم باستغراب وأجاب المكالمة مازحًا "بتتصلي بيا يومين ورا بعض بنفسك؟ ده أنا هعمل فرح!"


لكنه فوجئ بها تزمجر من الجهة الأخرى "أنت كنت عايز إيه من الكلام اللي قولتهولي إمبارح ده؟"


تلاشت ابتسامته وحمحم "مش فاهم؟"


"لا، أنت فاهم .. أنا قعدت فكرت مع نفسي وعرفت أنت كنت عايز تتكلم في إيه يا قليل الأدب يا سافل،" صاحت وأغلقت المكالمة في وجهه لتتركه يبتلع لعابه ليبلل حلقه الذي جف، من أين عرفت ما كان يريده قوله؟


اتصل بها مجددًا مقررًا إنكار كل شيء، أجابت المكالمة بنبرتها الغاضبة "نعم؟ عايز إيه تاني؟!"


"عايز أقولك إنك فاهمة غلط على فكرة."


"والله؟ لا أنا مش فاهمة غلط، أنت كنت عايز تتكلم معايا في كلام مش كويس."


"ماكانش ده الغرض من الكلام على فكرة، أنا بس كنت عايز أديلك فكرة صح عن الموضوع، أنتِ خدتِ تجربة سيئة فلازم حد يصححهالك!"


"بقولك إيه قسمًا بالله العظيم لو حاولت تعدي حدودك معايا في الكلام يا أحمد هقطع علاقتي بيك تمامًا، فاهم ولا لا؟ مش فارق معايا كان نيتك إيه منه، بس أنا ليا حدود في الكلام،"


قالت بطريقة صارمة فصمت ونظر أمامه بغيظ وهو يلعن ويسب تحت أنفاسه، لكنه سيطر على نفسه ونطق بابتسامة صفراء "ماشي."


هدأت وأردفت "ماشي."


مرت فترة صامتة عليهما، كلاهما يضع الهاتف على أذنه ولا يدري ماذا يقول، هذا حتى قاطعت هي ذلك الصمت المريب "أنت مُت ولا إيه؟!"


توسعت عينيه واستنكر "يخربيت الرومانسية اللي بتنقط منك، ألفاظك تشرح القلب!"


"ما أنت سكت فجأة!"


"عادي سكت، هقول إيه يعني! عايزاني أقول إيه؟"


"أنت متضايق؟"


سقط فكه ونظر أمامه بذهول ليجيب "أنتِ عبيطة؟! بعد البكابورت اللي طفح في وشي ده عايزاني أكون مبسوط؟"


"ما أنت اللي قليل الأدب وصايع!"


"ما تحسسينيش إنك متفاجأة! ما أنتِ عارفة إني صايع! حد قالك إني كنت إمام جامع؟ ده أنا كنت ماشي مع واحدة اسمها شيماء بيوت طلبة! وبعدين أنتِ أصلًا ما إديتينيش فرصة أقل أدبي وقفلتِ السكة في وشي! يعني بتتخانقي معايا قبل ما أقل أدبي أصلًا!"


فوجئ بها تضحك من الجهة الأخرى فتصنم في مكانه مجددًا وزمجر "إيه اللي بيضحك!"


لم تجيبه وعلت قهقهتها كثيرًا فصمت يستمع لصوت ضحكاتها وهو يعص على شفتيه وينظر للسقف بيأس ..


"خلاص خلصتِ ضحك؟" تذمر بعد فترة فسمعها تضحك من جديد ولم يستطع عدم الضحك هو الآخر وهو يتمتم "طب كنتِ اديني فرصة أقل أدبي وبعدين زعقي، حسبي الله ونعم الوكيل."


قهقها معًا لفترة ثم انتهت تلك المشاجرة كما بدأت وأغلقا الهاتف ليتحرك كلًا منهم إلى سريره وينام.


______________________________


البارتات الباقية هتتأخر لظروف عندي، فلو حد بيمل من الانتظار وبينسى ممكن يحذفها من المكتبة عنده.

Admin
Admin